للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال رحمه الله: فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه إلا خوفا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، وأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} (١) أي (فتثبتوا) فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإن تبين بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل؛ لقوله: فتبينوا ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه من أن من أظهر الإسلام والتوحيد وجب الكف عنه إلا إن تبين منه ما يناقض ذلك.

والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله (٢)» وقال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (٣)» هو الذي قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد (٤)» مع كونهم من أكثر الناس تهليلا حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة، وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة.

وقال الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة: (كلمة الإخلاص) (٥) على قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (٦)» قال: ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا لمجرد ذلك، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دمائها إلا بحقها وحسابهم على الله (٧)»، وقال: «الزكاة حق المال (٨)»، وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال: «أمرت أن


(١) سورة النساء الآية ٩٤
(٢) رواه البخاري في الديات.
(٣) رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ومسلم في الإيمان.
(٤) رواه أبو داود بهذا المعنى في كتاب السنة باب قتال الخوارج.
(٥) ص ١٣ - ١٤.
(٦) رواه مسلم في الإيمان.
(٧) رواه مسلم في الإيمان.
(٨) صحيح البخاري الزكاة (١٤٠٠)، صحيح مسلم الإيمان (٢٠)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٠٧)، سنن النسائي الجهاد (٣٠٩٢)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٥٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٩).