للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الأول منها: فقد عهد الله لآدم ألا يأكل من شجرة بعينها، وحذره من وسوسة الشيطان وإغراءاته، ونسي آدم عهده مع ربه، وذهب عنه العزم الذي يثبت اليقين في أحلك الظروف، يقول الله تعالى، يعرض لنا هذا الموقف: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (١).

ثم نجد الآيات التالية تسجل أن هذا النسيان كان لونا من الانحراف {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (٢) وأن الله تاب على آدم وغفر له {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (٣)

وأما الثاني: فقد أشار إليه القرآن الكريم، وهو بصدد الحديث عن المنافقين إذ وصفهم بأنهم نسوا الله فيقول: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٤).

ووقوع ظاهرة النسيان منهم على الله دلالة بليغة على خفوت حرارة العقيدة، وتبلد عاطفة الإيمان وصيرورتها مجرد دعوى بلا واقع؛ إذ أن كل ما في الإنسان من جوارحه، وما حوله من آيات في السماوات والأرض تذكره بالله، فكيف ينساه؟ إنه شأن المنافقين، ظاهرهم الذكر، وباطنهم الغفلة، ومن طبعهم الكذب، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك اللون من النسيان في موضع آخر يحذر فيه المسلمين من سلوك المنافقين؛ إذ يقول الله تعالى لهم: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٥).

وكأن هذا النسيان من شأن المنافقين وحدهم، إذ أن سلوكهم يقوم على نسيان بارئهم والحرص على شهواتهم، وتضليل الناس من حولهم.

وثالث الأنواع من هذا النسيان الذي يتصل بالله: نسيان ذكر الله.

ومعنى هذا النسيان افتقاد سلاح لا يستقيم أمر المؤمن في الحياة بدونه؛ إذ يقيه من الإغواء، ويثبته في مواقف الإغراء، ويحفظه من همزات الشياطين ولذا جعل


(١) سورة طه الآية ١١٥
(٢) سورة طه الآية ١٢١
(٣) سورة طه الآية ١٢٢
(٤) سورة التوبة الآية ٦٧
(٥) سورة الحشر الآية ١٩