للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما النسيان المنحرف فهو الذي تعرضت له الآيات لما وراءه من بواعث؛ لأنها تنبع من خارج الإنسان، أو من داخله الذي خالف عن نداء الفطرة القويم، وذكر البواعث حينذاك علامات هادية للإنسان على الطريق.

وهذه هي الأسباب:

في مقدمتها الشيطان، وقد نسب إليه القرآن الكريم شغل الإنسان عن ربه، وصرفه عن ذكره، وذلك في عدة مواطن:

فيوسف في سجنه وقد طال به الأمد، وفي نفسه شعور صارخ بالظلم، وسجنه هو البديل الوحيد للرذيلة التي تطارده، طلب إلى أحد رفيقيه- وقد يسرت له النجاة- أن يذكره عند الملك، ونسي يوسف رب الملك، إذا لا نجاة له إلا بتقديره، ولكن الشيطان قد ينال من الإنسان وهو يعانى من ضراوة الامتحان، قال تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} (١).

وكان مكثه في السجن لمسة عقاب على غفوة يسيرة تولى أمرها الشيطان.

وفي حديث القرآن الكريم عن المنحرفين عن سمت الإسلام إما بفساد في العقيدة، أو انحراف في السلوك نجد تعليلا لذلك يتمثل في تسلط الشيطان عليهم، وسيطرته على نفوسهم، فأنساهم خالقهم، وبذلك تم لهم الانغماس في ضلالهم، يقول تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (٢).

والشيطان وهو يؤدي رسالة الشر في البشرية لا يقصر جهده على الأشرار فهم جنوده وقد فرغ منهم، ولكنه يبحث عن ضالته في السائرين على طريق الرشاد يحاول جذبهم إليه، وقد تبلغ به الوقاحة مبلغا كبيرا، فيطمع في أن ينال فرصة من رواد البشرية، وأنى له ذلك؟ ولذا يقول الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام


(١) سورة يوسف الآية ٤٢
(٢) سورة المجادلة الآية ١٩