للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذكرا ومحذرا، يذكره بمحاولات الشيطان جذبه إليه في مجالس هؤلاء الضالين، ويحذره من الجلوس معهم أكثر من فترة التذكير والتوجيه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (١).

والغرور هو ثاني الأسباب:

وهو أن يسيء الإنسان فهم نفسه، بأن ينسى الأصل الذي منه نشأ، أو ينسى أن الأيام تدول، وأن النعم تزول، وأن النعمة قد تصير شقاء، والجاه قد يتحول إلى بلاء.

وسوء الفهم الذي يوجد الغرور هو الذي ينسي الإنسان هذه الحقائق الثابتة من سنن الله في الحياة.

فأبي بن خلف عندما وقف موقف التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم منكرا في تهكم عقيدة البعث ويأتي بعظام بالية ويفتنها بيده ويقول: أترى يا محمد أن الله يحيي العظام بعدما رمت؟!! من غير شك أن أبيا في موقفه الذي تبدو منه حماقة البغي وشراسة الجحود لم يدر بخلده الماء المهين الذي خلق منه!! ولو تذكره لراجع نفسه مرات قبل أن يقول ما قال، وهذه هي الحقيقة التي يسجلها القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (٢) {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (٣).

فالغرور أنسى أمية إحدى بديهيات الوجود حتى تورط فيما تورط فيه من كفران وجحود، والنعمة تأتي للإنسان بما وراءها من بهجة ومتاع، فيعيش عيشة الرغد، ويرفل في أفخر الثياب، وينعم في سلطان المال والجاه، وينسى أسس شقائه وبلائه، وفقره وبأسائه.


(١) سورة الأنعام الآية ٦٨
(٢) سورة يس الآية ٧٨
(٣) سورة يس الآية ٧٩