للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقاسيا بمن غفلوا ولم يعقلوا، وسمحوا لغشاوة النسيان أن تحجب البصيرة، وتتركهم في متاهات الضلال، يتجلى عنف هذا التهديد من حديث القرآن عن المعرضين عن الذكر، ووصفه لهم، وتقويمه لعقيدتهم، وكشفه عن مصائرهم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} (١) وفي آية أخرى: {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} (٢).

وفي وصف المنافقين يقول تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (٣).

وأهل الكتاب خانتهم ذاكرة المؤمن، فنسي اليهود حظا مما ذكروا به، فحرفوا الكلم عن مواضعه، ولا تزال خياناتهم مستمرة، وأما النصارى {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (٤).

ونسي كثير من بني إسرائيل واجب النصيحة، فحلت بهم العقوبة، ولم يفلت منها إلا من نهوا عن السوء {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (٥).

ويصور القرآن الكريم حقيقة هؤلاء المعرضين عن الذكر أسلوبا ونتيجة، فيقول تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (٦) {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (٧) {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} (٨) فرسم القرآن الكريم صورة منفرة لإعراضهم، كما أشار إلى موقفهم يوم القيامة عندما يواجهون العذاب بلا شفيع ولا نصير.


(١) سورة الكهف الآية ٥٧
(٢) سورة السجدة الآية ٢٢
(٣) سورة التوبة الآية ١٢٦
(٤) سورة المائدة الآية ١٤
(٥) سورة الأعراف الآية ١٦٥
(٦) سورة المدثر الآية ٤٨
(٧) سورة المدثر الآية ٤٩
(٨) سورة المدثر الآية ٥٠