للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كنت رجلا فقاتلنا عن نعمة الملك، وأما هذه البلاد التي ملكناها فلا نتركها بل نملك الحبشة بأسرها إن شاء الله تعالى.

فلما وصل الكتاب إلى وسن سجد جزع وداخله الخوف وأرسل كتابا آخر للإمام يقول فيه: ما تكلمت بكلامي أول إلا خيفة من الملك والبطارقة، والآن أنا ضعيف عن قتالك، ولكن الملك والبطارقة يقولون لي قاتل المسلمين، لأجل ذلك تكلمت، وقد أعلمني الرهبان أني داخل تحت يدك فإذا دخلت ارحمني.

ولا يطول الحال بوسن سجد حتى يقصده جيش الإمام، وفي موقعة شديدة المراس قرب جبل بوسات تنتصر جيوش الإسلام بعد أن ضويقت وتقهقرت مرات على يد وسن سجد وجيشه، ويحمل الجراد عابد بن راجح عليه، وكذلك يحمل وسن سجد على عابد، ويشتمه بالشتائم المقذعة ولكن الجراد عابد يعاجله بضربات من سيفه فيسقطه عن فرسه وهو يقول: لا تقتلني أنا وسن سجد، ونادى عابد بأعلى صوته لقد سقط وسن سجد رئيس الكفرة؛ فضج المسلمون بالصياح والتكبير فلما سمع المشركون أن رئيسهم قد قتل انهزموا شر هزيمة وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.

وحينما سمع الملك بمقتل وسن سجد حزن حزنا شديدا وانهار تماما، وصار لا يدري أين يذهب أو يستقر فكل مكان ينزل به لا يفتأ حتى يعلم بقصد الإمام إليه فيغادره إلى مكان آخر، وأخيرا قرر أن يعود إلى بيت أمحره، يقول المؤلف: وأما ملك الحبشة فإنه كان في أرض وج، ونوى المقام بها حتى ينتهي زمن المطر، فلما وصله خبر قتل وسن سجد وهزيمة جيشه حزن حزنا شديدا، وجمع بطارقته وحجابه وخواصه وقال لهم: الآن ماذا نفعل؟ وما تشيرون به علي؟ وأي أرض تسعنا؟ ثم تشاوروا فقال لهم: إني أريد أن نسير إلى بيت آبائنا وأجدادنا وأصل مملكتنا ونجلس هناك، ونمسك الأبواب ونقاتل المسلمين، ونخلي لهم هذه البلاد التي فتحوها، ونموت في بيت أمحره، وسار من أرض وج تحت المطر الشديد مدة شهر حتى وصل إلى بيت أمحره.

ويصف المؤلف بيت أمحره فيقول: هي أرض واسعة كبيرة الأرزاق والجبال محيطة بها، وهي بين الجبال ولها طرق وأبواب في الجبال، وكل طريق عليه أبواب