للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد شارك محمد بن مسلمة في قطع النخل الذي يحيط بحصن " النطاة " أحد حصون خيبر، فكان ينظر إلى صور (١) من كبيس (٢) ويقول: " أنا قطعت هذا الصور بيدي حتى سمعت بلالا ينادي عزمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقطع النخل! فأمسكنا " (٣).

وكان محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة يقاتل مع المسلمين يومئذ، وكان يوما صائفا شديد الحر، وهو أول يوم قاتل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حصن النطاة وبها بدأ، فلما اشتد الحر على محمود وعليه أداته كاملة، جلس تحت حصن ناعم يبتغي فيئه، ولا يظن محمود أن فيه أحدا من المقاتلة، إنما ظن أن فيه أثاثا ومتاعا، وناعم يهودي وله حصون ذوات عدد، فكان هذا منها - فدلى عليه مرحب اليهودي رحى، فأصاب رأسه، فاستشهد في المعركة (٤).

وخرج مرحب اليهودي من حصنهم، قد جمع سلاه يرتجز وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب ... يحجم عن صولتي المجرب

وهو يقول: من يبارز؟ «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة: " أنا له يا رسول الله! أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، فقال: فقم إليه! اللهم أعنه عليه (٥)». فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية (٦) من شجر العشر، (٧) فجعل أحدهما يلوذ بها (٨) من صاحبه، كلما لاذ بها منه أقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن (٩) ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه


(١) الصور: النخل الصغار أو المجتمع.
(٢) الكبيس: ضرب من التمر.
(٣) مغازي الواقدي [٢/ ٦٤٥].
(٤) مغازي الواقدي (٢/ ٦٤٥).
(٥) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٨٥).
(٦) عمرية: أي قديمة طويلة العمر.
(٧) العشر: بضم العين وفتح الشين، شجر له صمغ.
(٨) يلوذ بها: يلجأ إليها ويستتر بها من عدوه.
(٩) فنن: بفتح الفاء والنون: غصن.