للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن المنذر: وفي الأشراف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد: سبيل الله هو: الغازي غير الغني، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطال: أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ومثله النووي في شرح المهذب، وقال صاحب التوضيح: وأما قول أبي حنيفة: لا يعطى الغازي من الزكاة إلا أن يكون محتاجا فهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة. فأما الكتاب فقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (١) وأما السنة: فروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو لغاز في سبيل الله أو غني اشتراها بماله أو فقير تصدق عليه فأهدى لغني أو غارم (٢)».

(قلت) ما أحسن الأدب سيما مع الأكابر، وأبو حنيفة لم يخالف الكتاب ولا السنة وإنما عمل بالسنة فيما ذهب إليه وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحل الصدقة لغني (٣)» وقال: المراد من قوله: لغاز في سبيل الله هو الغازي الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب لا الغني بالنصاب الشرعي، بدليل حديث معاذ: وردها إلى فقرائهم. اهـ (٤).

* * *

وقال أبو الحسن المباركفوري: اختلفوا في المراد من سبيل الله في آية المصارف فقيل: المراد به الغزاة وعليه الجمهور، قال الباجي: هو الغزو والجهاد قاله مالك وجمهور الفقهاء، وقال الخرقي: وسهم في سبيل الله هم الغزاة، قال ابن قدامة: هذا الصنف السابع من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. اهـ. ثم اختلف أهل هذا القول فقال الأكثر: أنهم يعطون ما ينفقون في غزوهم وإن كانوا أغنياء.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به.

قال الحافظ: أما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيا كان أو فقيرا إلا أن أبا حنيفة قال: يختص بالغازي المحتاج - ثم ذكر الأقوال الأخرى في المراد بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (٥) ثم قال: والقول الراجح عندي: هو ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد به الغزو والجهاد خاصة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه، قال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (٦) قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل


(١) سورة التوبة الآية ٦٠
(٢) سنن أبو داود الزكاة (١٦٣٥)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٨٤١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٥٦)، موطأ مالك الزكاة (٦٠٤).
(٣) سنن الترمذي الزكاة (٦٥٢)، سنن أبو داود الزكاة (١٦٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٩٢)، سنن الدارمي الزكاة (١٦٣٩).
(٤) عمدة القاري جـ ٩ ص ٤٥.
(٥) سورة التوبة الآية ٦٠
(٦) سورة التوبة الآية ٦٠