للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها ولا يعد خلاف قائليها خلافا وما استدلوا عليه من الأحكام الفرعية أو الأصولية فهو عين البدعة؛ إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى، وصدق عمر رضي الله عنه حين قال: (إنما هذا القرآن كلام فضعوه مواضعه ولا تتبعوا به أهواءكم).

أي: فضعوه على مواضع الكلام ولا تخرجوه عن ذلك فإنه خروج عن الطريق المستقيم إلى اتباع الهوى.

٤ - الانحراف عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات والأخذ بها تأويلا كما أخبر سبحانه في كتابه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (١).

والذي عليه العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه. ويشترط في ذلك ألا يعارضه أصل قطعي. فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي. فليس بدليل لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا في نفسه ودالا على غيره. وإلا احتيج إلى دليل. فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى ألا يكون دليلا.

ومن أمثلة هذا زعم المعتزلة أن القرآن مخلوق؛ لأن الكلام لا يتصل إلا بأصوات وحروف، وكل ذلك من صفات المحدثات، والباري تنزه عنها؛ ولهذا اضطروا لتأويل مثل قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (٢) ولأن الله يقول: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (٣) والقرآن شيء فتشمله


(١) سورة آل عمران الآية ٧
(٢) سورة النساء الآية ١٦٤
(٣) سورة الأنعام الآية ١٠٢