وغاب عنهم أن الاستحسان المعتبر هو ما ليس للرأي فيه مدخل ولا للعقل فيه نصيب؛ فلهذا ضلوا وأضلوا. وقد استدلوا بالحديث المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. ووجه الدلالة منه أنه قال: ما رآه المسلمون: والظاهر ما رأوه بعقولهم فرجع التحسين إليهم فهم المخترعون. ولو كان التحسين بالدليل لما نسب الرؤية إلى المسلمين فدل على أن البدعة إذا استحسنها المسلمون كانت مشروعة والجواب عن هذه الشبه من وجوه:
١ - أن هذا الحديث ليس بمرفوع بل هو أثر موقوف على ابن مسعود: فليس بحجة.
٢ - وعلى التسليم بأنه حجة فهو خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع.
٣ - وعلى التسليم بحجيته فليس المراد جنس المسلمين الصادق بالمجتهد وغيره لاقتضائه أن كل ما رآه آحاد المسلمين حسنا فهو حسنا وكل ما رآه آحاد المسلمين قبيحا فهو قبيح وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أنه يناقض حديث «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة (١)» ووجه المناقضة أن الحديث الأول يفيد كل مسلم لا يخطئ؛ لأنه يرى أن ما ذهب إليه حسن فلا يكون في النار، والثاني أفاد نقيض ذلك. وهذا باطل.
ثانيهما: أنه يقتضي كون العمل الواحد حسنا عند بعض الناس يصح التقرب به إلى الله تعالى، قبيحا عند البعض الآخر لا يصح التقرب به وهو باطل.