للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرك اليهود الجدل في تأريخ الإسلام منذ حل محمد صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا، بل إن هناك أخبارا تعطينا الدلالة على اتصال اليهود بالمدينة - واسمها ذلك الوقت يثرب - بكفار مكة وإخبارهم ببعض الأمور التي تطرح أسئلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم للتعجيز والحجاج، لا للفائدة والوصول للحقيقة، كالأسئلة التي وردت إجاباتها في سورة الكهف وهي مكية. لأن عرب الجزيرة قبل البعثة لم يكونوا أهل علم، ولا معرفة بأحوال الأمم السابقة.

ولذا يؤدب الله جلت قدرته أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة للمدينة، التي يسكنها قوم من أهل الكتاب في طريقة الحوار معهم، والنقاش فيما يطرح من مسائل، وهو اللين والرفق، لينجذب طالب الحقيقة، وتقوم الحجة على المعاند والمكابر، فيقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (١).

ولما كان اليهود يضمرون العداء لمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فإنهم سلكوا طرقا ملتوية لإضلال الناس، فحركوا في الأمم المغلوبة كالفرس والروم جذور دياناتهم السابقة ليأتوا بطرق ظاهرها الإسلام، وباطنها محاربته للتشكيك فيه.

فظهرت الزندقة في العهد العباسي، كما تحرك النصارى وبدءوا يطرحون شبههم ويحاولون الظهور على المسلمين، وكان أول رد جدلي حسب ما وصلنا خبره رسالة الجاحظ في " الرد على النصارى "، وما ذكره


(١) سورة العنكبوت الآية ٤٦