للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (١)».

والذي تستطيعه من العلم والفقه في هذه المسألة قد دلك على أن هذا القول هو الراجح فعليك أن تتبع ذلك. ثم إن تبين لك فيما بعد أن للنص معارضا راجحا كان حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغير اجتهاده، وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه. وترك القول الذي وضحت حجته أو الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة واتباع هوى، فهذا مذموم. انتهى. وقال الإمام الموفق في روضة الناظر (٢): فليس من شرط الاجتهاد في مسألة بلوغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل. بل متى علم أدلة المسألة الواحدة وطرق النظر فيها فهو مجتهد فيها، وإن جهل حكم غيرها، فمن ينظر في مسألة المشركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بالفرائض أصولها ومعانيها، وإن جهل الأخبار الواردة وتحريم المسكرات والنكاح بلا ولي؛ إذ لا استمداد لنظر هذه المسألة منها، فلا تضر الغفلة عنها ولا يضره أيضا قصوره عن علم النحو الذي يعرف به قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (٣) وقس عليه كل مسألة. ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم والأئمة من بعدهم قد كانوا يتوقفون في مسائل.

وسئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين لا أدري، ولم يكن توقفه في تلك المسائل مخرجا له عن درجة الاجتهاد. والله أعلم، انتهى. ومن هذه النقولات عن هؤلاء الأئمة يتضح أن القول بتجزؤ الاجتهاد هو القول الصحيح الراجح الذي يؤيده الدليل والواقع وبالله التوفيق.


(١) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨)، صحيح مسلم الحج (١٣٣٧)، سنن الترمذي العلم (٢٦٧٩)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦١٩)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٠٨).
(٢) روضة الناظر ص١٩١.
(٣) سورة المائدة الآية ٦