المحرم. أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فسادا كالقتل والظلم فهذا ليس من هذا الباب؛ فإنا نعلم أنما حرمت الأشياء لكونها في نفسها فسادا بحيث تكون ضررا لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد بحيث تكون هي في نفسها فيها منفعة وهي مفضية إلى ضرر أكثر منه فتحرم، فإن كان ذلك الفساد فعلا محظورا سميت ذريعة. وإلا سببا ومقتضيا ونحو ذلك من الأسماء المشهورة، ثم هذه الذرائع إذا كانت تفضي إلى المحرم غالبا فإنه يحرمها مطلقا وكذلك إن كانت قد تفضي وقد لا تفضي لكن الطبع متقاض لإقضائها. وأما إن كانت إنما تفضي أحيانا فإن لم يكن فيها مصلحة راجحة على هذا الإفضاء القليل، وإلا حرمها أيضا.
ثم هذه الذرائع منها ما يفضي إلى المكروه بدون قصد فاعلها، ومنها ما تكون إباحتها مفضية للتوسل بها إلى المحارم، فهذا القسم الثاني يجامع الحيل بحيث قد يقترن به الاحتيال تارة وقد لا يقترن، كما أن الحيل قد تكون بالذرائع، وقد تكون بأسباب مباحة في الأصل ليست ذرائع فصارت الأقسام (ثلاثة):
(الأول): ما هو ذريعة وهو مما يحتال به كالجمع بين البيع والسلف وكاشتراء البائع السلعة من مشتريها بأقل من الثمن تارة وبأكثر أخرى. وكالاعتياض عن ثمن الربوي بربوي لا يباع بالأول نسأ وكقرض بني آدم.
(الثاني): ما هو ذريعة لا يحتال بها كسب الأوثان فإنه ذريعة إلى سب الله تعالى، وكذلك سب الرجل والد غيره فإنه ذريعة إلى أن يسب والده وإن كان هذان لا يقصدهما مؤمن.
(الثالث): ما يحتال به من المباحات في الأصل كبيع النصاب في أثناء الحول؛ فرارا من الزكاة وكإغلاء الثمن لإسقاط الشفعة.
والغرض من هذا أن الذرائع حرمها الشارع، وإن لم يقصد بها المحرم خشية إفضائها إلى المحرم، فإذا قصد بالشيء نفس المحرم كان أولى بالتحريم من الذرائع.