للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقد تقطع عنه شبهة بعض أنواع السفاح به، مثل اشتراط إعلانه إما بالشهادة أو ترك الكتمان أو بهما، ومثل اشتراط الولي فيه، ومنع المرأة أن تليه، وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة، وكان أصل ذلك في قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (١) و {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (٢)، وإنما ذلك لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح وزوال بعض مقاصد النكاح من حجر الفراش. ثم إنه وكد ذلك بأن جعل للنكاح حريما من العدة يزيد على مقدار الاستبراء، وأثبت له أحكاما من المصاهرة وحرمتها ومن الموارثة زائدة على مجرد مقصود الاستمتاع، فعلم أن الشارع جعله سببا وصلة بين الناس بمنزلة الربح كما جعل بينهما في قوله تعالى: {نَسَبًا وَصِهْرًا} (٣) وهذه المقاصد تمنع اشتباهه بالسفاح، وتبين أن نكاح المحلل بالسفاح أشبه منه بالنكاح، حيث كانت هذه الخصائص غير متيقنة فيه.

(الثالث عشر) «إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع (٤)» وهو حديث صحيح، ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح. وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة؛ ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا.

ومن العجب أن بعض من أراد أن يحتج للبطلان في مسألة مد عجوة قال: إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل ألف دينار ومنديلا بألف وخمسمائة دينار تبر. يقصد بذلك أن هذا ذريعة إلى الربا، وهذه علة صحيحة في مسألة مد عجوة لكن المحتج بها ممن يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة، وهي بعينها الصورة التي نهى عنها رسول صلى الله عليه وسلم. والعلة المتقدمة بعينها موجودة فيها، فكيف ينكر على غيره ما هو مرتكب له؟

(الرابع عشر): إن الآثار المتقدمة في العينة فيها ما يدل على المنع من


(١) سورة النساء الآية ٢٤
(٢) سورة النساء الآية ٢٥
(٣) سورة الفرقان الآية ٥٤
(٤) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٤)، سنن النسائي البيوع (٤٦١١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٠٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٠).