للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - الاختلاف في الرأي:

علمنا من طريقتهم في الاستنباط أنهم رضي الله عنهم إنما يلجئون إلى العمل بالرأي إذا لم يجدوا نصا من كتاب أو سنة، ومما لا شك فيه أن الرأي يختلف باختلاف الناظرين؛ وفتاوى الصحابة رضي الله عنهم التي اختلفت وجهات نظرهم فيها إنما مردها إلى اختلاف منازعهم في المأخذ، ولكل وجهة هو موليها.

ومع أنه قد حصل شيء من الاختلاف فيما بينهم من جهة الرأي فقد كان شيئا قليلا بالنسبة لمن بعدهم ويرجع ذلك إلى الأمور الآتية:

١ - تيسر الإجماع في هذا الدور؛ لأن المفتين من الصحابة، وكبارهم كانوا مجتمعين في المدينة عاصمة الخلافة آنذاك، وقد ساعد على ذلك أن عمر كان ينهاهم عن الخروج من المدينة إلا بإذنه وعند الحاجة الشديدة.

٢ - تمسكهم بمبدأ الشورى، وهو من الأمور التي لا يجد الخلاف معها سبيلا في الغالب.

٣ - قلة روايتهم لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوف الوقوع في الكذب، ولهذا كانوا يتشددون في قبولهم، فأبو بكر وعمر كانا يطلبان شاهدا خلاف الراوي (أحيانا)، وروي عن علي قوله: " كنت إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته ".

٤ - قلة الحوادث في عصرهم، وتورعهم عن الفتيا، فقد كانوا يميلون على بعضهم، يقول ابن القيم: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتيا، ويود كل واحد منهم أن يكيفه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل جهده في معرفة حكمها من الكتاب أو السنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى (١).


(١) الشريعة الإسلامية لبدران أبي العينين ٦١ - ٦٢ وارجع إلى كلام ابن القيم في إعلام الموقعين ١/ ٣٣.