فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة. وكان يقال لأبي عصمة هذا: نوح الجامع. قال ابن حيان: جمع كل شيء إلا الصدق. . . . . الخ.
الثاني: قوم كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون به في قصصهم كأبي سعيد المدائني.
الضرب الثالث: أرباب النحل والمذاهب البدعية؛ كالكرامية: نسبة إلى محمد بن كرام - بتشديد الراء - السجستاني المتكلم.
الرابع: وضع الزنادقة فقد وضعت جملا من الأحاديث؛ ليفسدوا بها الدين.
روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زياد، قال: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث؛ منهم عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي (١).
ومما تقدم يتضح أن الوضاعين وإن لم يبلغوا مأربهم من الدين؛ لمناهضة العلماء لهم ومقاومتهم إياهم إلا أنهم قبحهم الله - إلا من ثاب إلى رشده منهم - وضعوا في طريق المجتهدين ما عرقل سيرهم وجعله بطيئا وعسيرا، فبعد أن كان الفقيه لا يشغله شاغل بعد سماع الحديث عن النظر فيه والاستنتاج منه وهو واثق مطمئن، أصبح واجبا عليه أن يعنى قبل كل شيء ببحث الحديث متنا وإسنادا، والتثبت من صحتهما حتى إذا تبددت غياهب الشك حل له أن ينظر ويستنبط، فلا يبلغ ما يروم إلا بعد جهد ومشقة وطول عناء.
أما السبب الرابع: من الأسباب التي لها الأثر في الاجتهاد في هذه الفترة فهو انقسام العلماء:
شاء الله عز وجل أن ينقسم جمهور الأمة الذين سلمهم الله من بدعتي الخروج والتشيع إلى أهل حديث وأهل رأي.
(١) هذا باختصار عرض لبعض ما ذكر في تدريب الراوي عن أقسام الوضع وذويه ١٠٢ - ١٠٣.