وذلك نتيجة لما سلكوا في الفقه فجماعة: امتازت بشدة الاشتغال بالنصوص والآثار والتمسك بها. وآخرون: امتازوا بالتوسع في استعمال الرأي، ومن هنا نشأت تسمية الفريق الأول بأهل الحديث وتسمية الفريق الثاني بأهل الرأي.
وكان الفريق الأول بالحجاز، وزعيمه سعيد بن المسيب القرشي إذ رأى هو وأصحابه أن أهل الحرمين الشريفين أثبت الناس في الحديث والفقه وأعلمهم بفتاوى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأكب على حفظ ما بأيديهم من الآثار، ورأى أنه بعد ذلك في غنية عن استعمال الرأي.
أما الفريق الثاني فكان مركزه العراق وعلى رأسهم: إبراهيم النخعي وطريقتهم مبنية على أن أحكام الشرع معقولة المعنى مشتملة على مصالح راجعة إلى العباد ذات أصول محكمة وعلل ضابطة لتك المعاني والحكم، فكانوا يبحثون عن هذه المعاني والعلل، ويستجلون الحكم التي شرعت الأحكام لأجلها حتى يستقر عندهم دوران الحكم معها.
وربما رد بعض هذا الفريق شيئا من الأحاديث إذا لم تتمش مع تلك الضوابط والأصول؛ لأن تلك الأصول والضوابط عنده تبلورت من جملة نصوص، والنص الواحد لا يقاوم العدد.
أما الفريق الأول فكان بحثه عن النصوص أكثر من بحثه عن العلل إلا فيما لم يجد فيه أثرا.