أولا: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو أستاذ في هذه المدرسة، وقد كان من المتأثرين بعمر بن الخطاب في الاجتهاد الفقهي، الذي يعتمد على استعمال الرأي، فكان تأثير ابن مسعود على مدرسته أمرا طبيعيا.
ثانيا: أن العراق منبع الشيعة ومقر الخوارج، فقد شاع فيها الوضع في الحديث، فاشترط علماؤها شروطا لقبول الحديث لا يسلم معها إلا القليل، ضم إلى هذا اكتفاؤهم بمروي نزلاء العراق من الصحابة من الحديث كان المعول عليه من الأثر قليلا، فلا مندوحة لهم حينئذ من التوسع في الرأي.
ثالثا: أن المسائل التي تحتاج إلى تعرف أحكامها في العراق أكثر وأعقد منها في الحجاز، إذ كان الحجاز بمنأى عن تلك النشاطات الفكرية والاجتماعية التي ماج بها العراق؛ لما جد من حركة التشيع والخروج مع ذات طبيعة أهله، وهذا بلا شك مع قلة المعول عليه من الأحاديث عامل قوي في التوسع في استعمال الرأي.
ولقد كان الفقه في مدرسة الحديث واقعيا، فلم يفرضوا المسائل ويقدموا لها أحكامها، أما في مدرسة الرأي ففي أول الأمر كان واقعيا، ثم ما لبث أن اتجه إلى الفروض والتقديرات خصوصا حين وضعوا الضوابط والقواعد؛ ليفرعوا عليها.
تلك أهم أحداث هذه المرحلة، ومنها اتسعت دائرة الخلاف، مما يتعذر معه الإجماع إلا ما كان اتفاقا.
هذا وقد انقضت هذه المرحلة دون أن يدون فيها شيء من العلوم بصفة ذاتية، ولم تتكون فيها مذاهب معينة: فهي تشبه المرحلة السابقة من تلك الناحية، وتخالفها من جهة كثرة الاختلاف وتشعب الآراء للأسباب التي ذكرت.