للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محرم عليه؟ قال: يحرم عليه. قلت: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، وأراد أن ينزعه من بطنه، ويقتل نفسه، أمباح له ذلك أم محرم؟ قال: بل محرم، قلت: أرأيت لو جاء مالك الساحة، وأراد أن يهدم البناء أيحرم عليه ذلك أم يباح؟ قال: بل يباح. قال الشافعي: فكيف تقيس مباحا على محرم؟ قال محمد: فكيف تصنع بصاحب السفينة؟ قلت: آمره أن يسيرها إلى أقرب السواحل، ثم أقول له: انزع اللوح وادفعه إليه. فقال محمد بن الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (١)» فقال الشافعي: من ضره؟ هو ضر نفسه. ثم قال الشافعي: ما تقول في رجل من الأشراف غصب جارية لرجل من الزنج في غاية الرذالة، ثم أولدها عشرة كلهم قضاة سادة أشراف خطباء، فأتى صاحب الجارية بشاهدين عدلين أن هذه الجارية التي هي أم هؤلاء الأولاد مملوكة له، ماذا تعمل؟ قال محمد: أحكم بأن أولئك الأولاد مماليك لذلك الرجل. قال الشافعي: أنشدك الله أي هذين أعظم ضررا؟ أن تقلع الساحة وتردها إلى مالكها، أو تحكم برق هؤلاء الأولاد؟ فانقطع محمد بن الحسن.

هذه المحاورة بين هذين الإمامين أنموذج حي لما كان يجري من مجالس علمية، تمتحن فيها أصول كل إمام بما يقرر من جزئيات، فهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول لمحمد بن الحسن (. . فكيف تقيس مباحا على محرم؟) ويقول أيضا لما قال له محمد بن الحسن رحمه الله ك: فكيف تصنع بصاحب السفينة؟ وأجابه: فقال محمد بن الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (٢)». أي: وأمر صاحب السفينة بتسييرها إلى الساحل؛ لنزع اللوح المغصوب ضرر عليه. فقال الشافعي: من ضره؟ هو ضر نفسه. فبين أن هذا الحكم مستثنى من قاعدة: لا ضرر ولا ضرار. ثم أجرى موازنة بين مفسدة استرقاق الأحرار العشرة الذين ولدتهم الزنجية المغصوبة وبين مفسدة هدم الجدار المقام على الأرض المغصوبة، وأن المفسدة الأولى أعظم من المفسدة الثانية باتفاق، ولهذا انقطع محمد بن الحسن رحمهما الله.


(١) سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٤٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٢٧).
(٢) سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٤٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٢٧).