امرأة ليحلها لزوجها ففرق بينهما، وقال: لا ترجع إليه إلا بنكاح رغبة غير دلسة.
وعن أبي مرزوق التجيبي، أن رجلا أتى عثمان قال: إن جاري طلق امرأته في غضبه ولقي شدة، فأردت أن أحتسب نفسي ومالي فأتزوجها، ثم أبني بها ثم أطلقها، فترجع إلى زوجها الأول. قال له عثمان: لا تنكحها إلا نكاح رغبة.
وعن يزيد بن أبي حبيب، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في المحلل: لا ترجع إليه إلا بنكاح رغبة غير دلسة ولا استهزاء بكتاب الله. وقال سعيد في سننه: حدثنا هشيم، حدثنا الأعمش، عن عمران بن الحارث السلمي، قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمه طلق امرأته ثلاثا فندم. فقال: عمك عصى الله فأندمه، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا. قال: أرأيت إن أنا تزوجتها عن غير علم منه أترجع إليه؟ قال: من يخادع الله يخدعه الله.
فهذه الآثار وغيرها مشهورة عن الصحابة، وفيها بيان أن المحلل عندهم اسم لمن قصد التحليل سواء ظهر ذلك أو لم يظهر، وأن عمر كان ينكل من يفعل ذلك، وأنه يفرق بين المحلل والمرأة، وإن حصلت له رغبة بعد العقد، إذا كان في الابتداء قصد التحليل، وأن المطلق ثلاثا وإن تأذى وندم ولقي شدة من الطلاق، فإنه لا يحل التحليل له، وإن لم يشعر هو ذلك، وهذه الآثار مع ما فيها من تغليظ التحليل فهي من أبلغ الدليل على أن تحريم ذلك واستحقاق صاحبه العقوبة كان مشهورا على عهد عمر، ومن بعده من الخلفاء الراشدين، ولم يخالف فيه من خالف في المتعة كابن عباس بل اتفقوا كلهم على تحريم هذا التحليل، فكان هذا إجماعا.
نوقش هذا: بأن تلك الآثار معارضة بما روي عن عمر بن الخطاب من أنه توعد ذا الرقعتين إذا هو طلق المرأة التي تزوجها؛ ليحلها لزوجها الأول، وروي ذلك من طرق متعددة، وكان ذلك بمرأى من الصحابة ومسمع، ولم ينكر عليه أحد، ذلك مما يدل على وجود الخلاف وعدم الاتفاق، وقد رويت تلك القصة من طرق متعددة نكتفي منها بما رواه أبو حفص العكبري في كتابه، عن ابن سيرين قال: قدم رجل مكة ومعه إخوة له صغار وعليه إزار، من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة، فسأل عمر فلم يعطه شيئا، فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها، فقال لها (أي زوجها): هل لك أن تعطي ذا الرقعتين