للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثا: أنه ليس في القصة أنهم واطؤوه على أن يحلها للأول، ولا أشعروه أنها مطلقة، وإنما فيها أنهم واطؤوه على أن يبيت عندها ليلة ثم يطلقها، وهذا من جنس نكاح المتعة، الذي يكون للزوج فيه رغبة في النكاح إلى وقت، ونكاح المتعة قد كانوا يستحلونه صدرا من خلافة عمر، حتى أظهر عمر السنة بتحريمه، فلعل هذه القصة كانت قبل تحريم نكاح المتعة، ثم إن عمر - رضي الله عنه - أظهر بعد هذا تحريم المتعة وتوعد عليه.

رابعا: أن هذا الأثر ليس فيه عودها إلى المطلق، بل فيه النهي عن ذلك، وليس فيه دوام نية التحليل، بل فيه أنه صار نكاح رغبة بعد أن كان تحليلا، فإن كان بنكاح مستأنف فلا كلام، وإن كان باستدامة النكاح الأول فهذا مما يسوغ فيه الخلاف، كما في النكاح بدون إذن المرأة، أو نكاح العبد بدون إذن سيده، أو نكاح الفضولي؛ فإنه قد اختلف فيه هل هو مردود أو موقوف؟ وبعض الفقهاء يقول: إن الشرط الفاسد إذا حذف بعد العقد صح، فيمكن أن يكون قول عمر - رضي الله عنه - مخرجا على هذا؛ فإن الصحابة قد اختلفوا فيه، ونية التحليل كاشتراطه، فيكون هذا الشرط الفاسد إذا حذف صح العقد وإلا فسد، وإذا كانت هذه الحكاية بهذه المثابة من الإسناد والاحتمال لم تعارض ما عرف من كلام عمر - رضي الله عنه - فيما رواه عنه ابنه ومن سمعه يخطب على منبر المدينة.

خامسا: أنه لو ثبت عن عمر - رضي الله عنه - أنه صحح نكاح المحلل فيجب أن يحمل هذا منه على أنه رجع عن ذلك؛ لأنه ثبت عنه من غير وجه التغليظ في التحليل والنهي عنه، وأنه خطب الناس على المنبر فقال: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما. وكذلك ذكر ابنه أن التحليل سفاح، وأن عمر لو رأى أصحابه لنكلهم، وبين أن التحليل يكون باعتقاد التحليل وقصده، كما يكون بشرطه، وقد كانوا في صدر خلافته يستحلون المتعة بناء على ما تقدم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها من الرخصة، ثم بعد هذا بلغ عمر - رضي الله عنه - النهي عن التحليل، فخطب به وأعلن حكمه، كما خطب بالنهي عن المتعة وأعلن حكمها، ولا يمكن أن يكون رخص في التحليل بعد النهي عنه؛ لأن النهي إنما يكون عن علم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ترك الإنكار؛ فإنه يكون عن الاستصحاب وما