كف عنه إلا إذا كان زاهدا فيها، فإذا كان هذا التحريم يزول بهذا الطريق السهل، وهو أن يرغب إلى بعض الأراذل في أن يطأ المرأة ويعطي شيئا على ذلك؛ فإن هذا أقرب منه إلى اللعب منه إلى الجد، فما أكثر من يريد أن يطأ ويبذل، فكيف إذا أعطي على ذلك جعلا؟
فإن قيل: إن هذا النكاح حلال كان معنى هذا أن المرأة تحرم على زوجها حتى ينزو عليها فحل من الفحول، وإن لم يكن له رغبة في نكاحها بل يعطي على ذلك جعلا، فكان قد ادعى أن الله حرم المطلقة حتى توطأ وطئا شبيها بالزنا، بل هو زنا كما سماه ابن عمر: بأن هذا سفاح. ولما رأى كثير من أهل الكتاب أن بعض المسلمين يقول: إن المطلقة تحرم حتى توطأ على هذا الوجه، ورأى أن ذلك هو معنى الزنا، وحسب أن هذا من الدين المأخوذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تجاهل بإظهار ذلك أخذ يعير المسلمين بهذا ويقول: إن في دينكم أن المطلقة تحرم حتى تزني، وإذا زنت حلت، حتى اعتمد بعض أعداء الله النصارى فيما يهجو به شرائع الإسلام على مسألة التحليل، أخذ ينفر أهل دينه عن الإسلام بالتشنيع بها، وما يعلم عدو الله أن هذا لا أصل له في الدين، ولا هو مأخوذ عن السابقين ولا عن التابعين لهم بإحسان، بل قد حرمه الله ورسوله.
وبالجملة فإن دين الله أزكى وأطهر من أن يحرم فرجا من الفروج حتى يستعار له تيس من التيوس، لا يرغب في نكاحه ولا في مصاهرته ولا يراد بقاؤه مع المرأة أصلا فينزو عليها وتحل بذلك؛ فإن هذا بالسفاح أشبه منه بالنكاح، فكيف يكون الحرام محللا؟ أم كيف يكون الخبيث مطيبا؟ أم كيف يكون النجس مطهرا؟ وغير خاف على من شرح الله صدره للإسلام ونور قلبه بالإيمان أن هذا من أقبح القبائح التي لا تأتي بها سياسة عاقل فضلا عن شرائع الأنبياء، لا سيما أفضل الشرائع وأشرف المناهج، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يشرع مثل هذا.
هذه هي أدلة الطرفين على المتنازع فيه، وبهذا ظهر الحق وزهق الباطل، وتبين لكل من له نظر سليم وذوق ليس بسقيم بأن رأي الجمهور الذي تبناه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ودافع عنه هو الرأي المعقول، الذي يتعين الأخذ به