للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخير لأسرتهما وللمجتمع، وقد جعلت الشريعة لكل من الزوجين حقوقا وواجبات يؤديها له، وطالبتهما بحسن العشرة والاعتدال في المعاملة والتعاون على الحياة المشتركة بينهما، ورسمت الطريق القويم لعلاج ما قد ينشأ بينهما من خلاف ومشكلات، ولا عجب أن يحظى الزواج بهذا القدر الكبير من الاهتمام والتنظيم فهو قاعدة الأسرة ونواة المجتمع، وهو وسيلة الإنسان العاقل لتنظيم الفطرة والغريزة التي أودعها الله فيه على وجه يحقق غاية استخلافه في الأرض بتعمير الكون، وبعث الحياة فيه قوية رائعة مثمرة، والتعاون على تدبير المصالح والمنافع، والسير بالحياة في مجال الخير والإصلاح.

وهي أيضا وسيلة الإنسان العاقل إلى حفظ نوعه وتخليد ذكراه بالتوالد والتناسل، قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (١). ومن أجل هذا كله كان الزواج ذا شأن خطير وأثر بالغ في حياة الإنسانية وتوجيهها، وكان عقد الزواج من أخطر العقود التي يتعامل بها الإنسان في الحياة، وقد وصفه القرآن بأنه ميثاق غليظ. قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (٢) {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (٣).

ووصف النبي عليه الصلاة والسلام عقد النكاح بقوله: «إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله (٤)».

والميثاق يجب الوفاء به وتقديره، وأمانة الله واجبة الرعاية، وكلمة الله واجبة التنفيذ والاحترام، فزواج هذا شأنه من السمو والرفعة في تحقيق المثل العليا والأخلاق الكريمة والآداب السامية يتعين صيانته والمحافظة عليه، ولا يتحقق في نكاح التحليل شيء من هذا، وإذن فلا يصح بعد هذا كله أن يقال عن نكاح التحليل إنه نكاح جائز، بل هو نكاح باطل محرم، ملعون فاعله على لسان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأن الأصل في مشروعية الزواج الدوام والاستمرار والمحلل لا


(١) سورة النحل الآية ٧٢
(٢) سورة النساء الآية ٢٠
(٣) سورة النساء الآية ٢١
(٤) أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله ص١٨٣ ج٨.