بالتوحيد إنما هو من باب تصحيح عقيدة، يرى أكثر الباحثين أنها عقيدة الإنسان منذ نشأته، وأن هذه العقيدة لم تنفك عنها أمة من الأمم، وأن الإنسان قد انجرف إلى ألوان من الوثنية والتعدد لم يكن عليها في القديم (١).
ولنفس الغاية كان الاهتمام بدحض شبهات الشرك والتعدد ومجادلة المنحرفين من أهل الكتاب. وقد جاء الحديث عن صفات الله الواحد القادر المريد، بما لا يحدث انفصالا بين الذات والصفات، وقد فهم سلف الأمة هذه الحقيقة فساقوا الكلام سوقا واحدا، ووصفوا الله بما وصف به نفسه، فإذا جئنا إلى التوحيد لدى فرق المتكلمين وجدنا تشقيقات ليس للمسلمين بها عهد، فهناك علاقة الصفات بالذات الإلهية، وهل وجودها يتعارض مع الوحدانية أم لا؟ وهناك من لا يفرقون بين صفات الله المتفرد بالجلال والذي ليس كمثله شيء، وبين صفات مخلوقاته تشبيها أو تمثيلا، وهناك غير هذا من مهاترات الفرق، وتشقيقات المجادلين.
وقد أدى هذا الفهم الغريب للتوحيد بفرقة كالمعتزلة - والتوحيد واحد من أصولها الخمسة - إلى أن تنفي عن الله أكثر الصفات الثبوتية، كالقدرة والإرادة والعلم، بحجة أن هذا يتنافى مع التوحيد، ويقترب بالمسلمين من تعدد كتعدد النصارى، كما أدى بهم فهمهم هذا إلى التأويل في الصفات الخبرية التي تثبت لله يدا وعينا وغير ذلك، وقد أوقعهم فهمهم هذا إلى القول بخلق القرآن، وما جره على المسلمين من بلاء واضطراب.
وقد أدى بهم هذا الفهم إلى جدل طويل مع الفرق الأخرى وعلى رأسهم الأشعرية الذين يخالفونهم الرأي، كما أدى بهم إلى أن وصفهم غيرهم بأنهم المعطلة وأنهم أخذوا آراءهم هذه من الزنادقة وليت الأمر يقف عند حد الجدل بل هو مخالفة صريحة للنصوص القرآنية الواردة في هذا الصدد
(١) د. محمد عبد الله دراز / الدين / ١١٢، ١١٣ (الطبعة الثانية).