للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" وسواء أخذ المعتزلة آراءهم هذه عن الزنادقة كما يذكر الأشعري، أم عن الفلاسفة كما يذكر الشهرستاني، فإن رأي المعتزلة لا يشهد له الشرع، بل إنه يؤدي إلى إنكار كثير من آيات القرآن التي تصف الله سبحانه بصفات العلم والقدرة والإرادة وغيرها " (١).

الحقيقة الثانية: هي أن كثيرا مما أثير بين الفرق، بل مما أخذت الفرق منه أسماءها قد يكون له جذور أسبق من القرنين الثاني والثالث، كما يرى مثلا بعض العلماء في أمور القدر والجبر والخوارج. فالخروج الذي يستحقه من يخرج على الحق يرى البعض أن جذوره تمتد إلى يوم أن «قال ذو الخويصرة التميمي لرسول الله عقب قسمته لذهبة آتته من اليمن: اعدل يا محمد؛ فإنك لم تعدل. حتى قال عليه السلام: " إن لم أعدل فمن يعدل؟ ". فعاود وقال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى (٢)». ويقول الشهرستاني عن هذا الموقف: " ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجيا فمن اعترض على الرسول الحق أولى أن يصير خارجيا، أو ليس ذلك قولا بتحسين العقل وتقبيحه، وحكما بالعقل في مقابلة النص، واستكبارا على الأمر بقياس العقل؟ ".

كذلك فإن مسألة القدر والجبر قد أثيرت على ألسنة المشركين كما يحكي الله تعالى عنهم في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} (٣).

وواضح أنهم لا يريدون الاعتذار عن القبائح التي يعتقدونها، بل مرادهم بذلك الاحتجاج على أن ما ارتكبوه حق ومشروع ورضي الله عنه بناء على أن


(١) مدكور / مذكرات في علم الكلام / ٣٥.
(٢) صحيح البخاري فرض الخمس (٣١٣٨)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٦٣)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٥٤).
(٣) سورة الأنعام الآية ١٤٨