للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشيئة والإرادة تساوي الأمر عندهم. ويذكر الشهرستاني أنها قد أثيرت أيضا على ألسنة المنافقين الذين قالوا يوم أحد: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} (١) وقولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} (٢) وقولهم: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} (٣) فهل ذلك إلا تصريح بالقدر (٤)؟

نقول: قد يكون هناك جذور للقضايا التي طال الجدل فيها بين الفرق كما ذكرنا أمثلة منها، لكن هذه الجذور لم تكن بالقوة التي تثير جدلا وتخلق بلبلة، وأظن الأمر يختلف كثيرا إذا قورن بما أحدثه الخوارج إثر خروجهم بعد مسألة التحكيم، وما ناقشوه من قضايا مرتكب الكبيرة، وتكفيرهم غيرهم، وما تبع هذا من موقف المرجئة الذين غالى بعضهم إذ اعتبر أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

كذلك إذا نظرنا القدرية وجدنا أن ما كان في آخر عصر الصحابة والذي امتد إلى العصر الأموي والعباسي أصبح شيئا آخر غير الجذور الأولى خطرا وفكرا. يقول ابن تيمية: " ثم حدث في آخر عصر الصحابة القدرية. . . وأما القدرية فخاضوا في قدره بالباطل، وأصل ضلالتهم: أن القدر ينافي الشرع. . . فصاروا حزبين: حزبا يغلب الشرع فيكذب بالقدر وينفيه أو ينفي بعضه. وحزبا يغلب القدر فينفي الشرع في الباطن، أو ينفي حقيقته ويقول: لا فرق بين ما أمر الله به وما نهى عنه في نفس الأمر الجميع سواء " (٥).

وكذلك فإن الجبر أصبح نحلة، واعتنقه ناس يدعون إليه ويدرسونه ويبينونه للناس، وسواء كان أصله نحلة يهودية كما يقول ابن نباتة المصري صاحب سرح العيون في رسالة ابن زيدون، أم هو نحلة أصلها فارسي كما يذكر المرتضى في المنية والأمل، فإن المقرر أن الجبر أحدث جدلا طويلا على


(١) سورة آل عمران الآية ١٥٤
(٢) سورة آل عمران الآية ١٥٤
(٣) سورة آل عمران الآية ١٥٦
(٤) الملل والنحل / ١/ ١٨.
(٥) ابن تيمية / الفرقان بين الحق والباطل / ١٥٨. (الجزء الأول من الرسائل طبعة صبيح).