للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما تجلت في تسترهم تحت التصوف والتشيع لإيجاد فرق باطنية عرف الفكر الإسلامي خطرها وشرها (١) وخصوصا في مجال تأويل النصوص والخروج بها عن ظاهرها، وقطع الصلة بينها وبين أسباب نزولها تمهيدا لاستغلالها في مكائدهم (٢).

ويقرر ابن حزم الأندلسي أن مكائد الفرس كانت سببا في خروج أكثر الطوائف الغالبة، وبخاصة طوائف الشيعة عن الإسلام، ويرجع ذلك إلى أن زوال دولتهم على أيدي العرب، والفرس كانوا يظنون أنفسهم أحرارا وغيرهم - والعرب منهم - عبيدا، جعلهم يكيدون للإسلام بالمحاربة. . . فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشناع ظلم علي - رضي الله عنه - ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام " (٣) ويذكر ابن حزم الغلاة الذين اتخذوا بهذا كالحلوليين، ومسقطي الشرائع، ومنكري النبوات وغيرهم.

أما اليهود والنصارى فقد شاركوا الفرس وغيرهم في إثارة الشكوك، وبذر بذور الفرقة بين المسلمين، ففكرة الجبر التي تقضي بأن الإنسان مجبور لا إرادة له قيل: إن أول من دعا إليها يهودي بالشام، وتعلمها منه الجعد بن درهم ونشرها بين الناس بالبصرة، وتلقاها عن الجعد الجهم بن صفوان الذي أضاف إلى فكرة الجبر أفكارا أخرى ليست من الإسلام في شيء، وفي صدد الحديث عن الجعد بن درهم يقول صاحب سرح العيون: " تعلم منه الجهم بن صفوان القول الذي نسب إليه الجهمية، وقيل: إن الجعد أخذ ذلك على أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن أعصم اليهودي " وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي.

وهذه الرواية لا تنفي إسهام الفرس وغيرهم في بث بذور الفرقة بين


(١) ابن تيمية / الفرقان بين الحق والباطل / ١٥٧، وقد سبقت إشارتنا إلى ذلك.
(٢) البغدادي / الفرق بين الفرق / ٢٨١ - ٣١٢. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
(٣) الفصل / ٢/ ١١٥.