الانتصار يقول:" هل على الأرض أحد رد على الدهريين سوى المعتزلة كإبراهيم النظام، وأبي الهذيل ومعمر، والأسواري وأشباههم؟ وهل عرف أحد صحيح التوحيد واحتج لذلك بالحجج الواضحة، وألف فيه الكتب الواضحة، ورد فيه على أصناف الملحدين من الدهريين والثنوية سواهم ".
ولسنا بصدد الحكم على صواب المعتزلة أو خطئهم، ولكنا فقط نشير إلى أن العصر اقتضت طبيعة الفكر فيه نشاطا من هذا الصنف.
وقد خاض الفقهاء غمار هذه الحركة في الرد على الدهرية وغيرهم، فأبو حنيفة يجادل الدهرية ويوجههم إلى ضرورة الإيمان بمنشئ هذا العالم:" ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة، مملوءة بالأمتعة والأحمال، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية ليس فيها ملاح يجريها ويقودها، ولا متعهد يدفعها ويسوقها، هل يجوز ذلك في العقل؟ فقالوا: لا. هذا شيء لا يقبله العقل، ولا يجيزه الوهم. فقال أبو حنيفة - رحمه الله -: فيا سبحان الله، إذا لم يجز في العقل وجود سفينة مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها. وتغير أمورها وأعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ومحدث لها؟ "(١).
وقد ضاع من تراث المسلمين كثير من المناظرات والردود، لكن بعض الكتب الموثقة حفظت لنا صورا من مجادلات بين أهل السنة وبين أهل الجبر أو القدر، وعلى فرض أن ما يحكيه ابن القيم من مناظرة بين سني وجبري، ومناظرة بين سني وقدري، على فرض أنه تصوره هو، فإن الواقع من خلال ما مر من عوامل يشهد بوجود مثل هذه المناظرات، وإن لم تصلنا حرصا من الاتجاه السني على عقيدة المسلمين الحقة وفق منهج القرآن والسنة.