للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجوز أيضا للمعتق أن يستثني خدمة العبد مدة حياته أو حياة السيد أو غيرهما، اتباعا لحديث سفينة لما أعتقته أم سلمة، واشترطت عليه خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عاش.

ويجوز - على عامة أقواله ـ: أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها، كما في حديث صفية، وكما فعله أنس بن مالك وغيره - وإن لم ترض المرأة - كأنه أعتقها واستثنى منفعة البضع، لكنه استثناها بالنكاح، إذ استثناؤها بلا نكاح غير جائز، بخلاف منفعة الخدمة.

واستمر رحمه الله في ذكر الأمثلة إلى أن قال:

وجماع ذلك: أن الملك يستفاد به تصرفات متنوعة. فكلما جاز بالإجماع استثناء بعض المبيع يجوز أحمد وغيره استثناء بعض منافعه، وجوز أيضا استثناء بعض التصرفات.

وعلى هذا فمن قال: هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، قيل له: أينافي مقتضى العقد المطلق أو مقتضى العقد مطلقا؟ فإذا أراد الأول: فكل شرط كذلك. وإن أراد الثاني: لم يسلم له، وإنما المحذور، أن ينافي مقصود العقد، كاشتراط الطلاق في النكاح، أو اشتراط الفسخ في العقد، فأما إذا شرط ما يقصد بالعقد لم يناف مقصوده. هذا القول هو الصحيح بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار مع الاستصحاب وعدم الدليل المنافي.

أما الكتاب: فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١) سورة المائدة آية ١ والعقود هي العهود، وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (٢) سورة الأنعام آية ١٥٢، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (٣) سورة الإسراء آية: ٣٤. وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} (٤) سورة الأحزاب آية: ١٥ فقد أمر سبحانه بالوفاء بالعقود، وهذا عام، وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد، وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه، بدليل قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} (٥) فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه، وإن لم يكن الله قد أمر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد، كالنذر والبيع، إنما أمر بالوفاء به.

ولهذا قرنه بالصدق في قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (٦) سورة الأنعام آية: ١٥٢؛ لأن العدل في القول خبر يتعلق بالماضي والحاضر، والوفاء بالعهد يكون في القول المتعلق بالمستقبل، كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٧) {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (٨) {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (٩) سورة التوبة الآيات: ٧٥ - ٧٧.

واستمر رحمه الله في ذكر آيات في الحث على الوفاء بالعهود والتحذير من نقضها إلى أن قال:


(١) سورة المائدة الآية ١
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥٢
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٤
(٤) سورة الأحزاب الآية ١٥
(٥) سورة الأحزاب الآية ١٥
(٦) سورة الأنعام الآية ١٥٢
(٧) سورة التوبة الآية ٧٥
(٨) سورة التوبة الآية ٧٦
(٩) سورة التوبة الآية ٧٧