وكان قدوم حارثة وأخيه مكة لفداء زيد قبل الإسلام أيضا.
ومما يلفت النظر، أن زيدا قال لأبيه وعمه:"إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا"، فما الذي رآه زيد في النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن الخلق، وحسن المعاملة، ذلك صحيح، ولكنه لا يكفي لاختياره؛ لأنه اختيار صعب جدا، لا يكون إلا من أجل العقيدة وحدها، فهي وحدها تدفع المرء المؤمن إلى التضحية بغير حدود.
وأرجح أن قدوم حارثة وأخيه لفداء زيد، كان بعد الإسلام، وأن زيدا كان قد أعلن إسلامه وارتبط ارتباطا مصيريا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي رآه زيد من هذا الرجل: النبوة ".
ولعل الدليل على ذلك، ما جاء في مصدر واحد: " أن حارثة والد زيد أسلم حين جاء في طلب زيد، ثم ذهب إلى قومه مسلما " (١). فإسلام زيد هو الذي جعله يختار النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبيه وأهله، وإسلام أبيه حارثة، هو الذي جعله تطيب نفسه فينصرف راضيا.