للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما ما لم يكن مباحا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حراما. وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين. وكذلك إذا اشترط صفة في البيع، أو رهنا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها، فإنه يجب، ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك.

وهذا المعنى هو الذي أوهم من اعتقد أن الأصل فساد الشروط، قال: لأنها إما أن تبيح حراما، أو تحرم حلالا، أو توجب ساقطا، أو تسقط واجبا، وذلك لا يجوز إلا بإذن الشارع. وأوردت شبهة عند بعض الناس حتى توهم أن هذا الحديث متناقض، وليس كذلك، بل كان ما كان حراما بدون الشرط: فالشرط لا يبيحه، كالربا وكالوطء في ملك الغير، وكثبوت الولاء لغير المعتق فإن الله حرم الوطء إلا بملك نكاح، أو ملك يمين، فلو أراد رجل أن يعير أمته لآخر للوطء لم يجز له ذلك، بخلاف إعارتها للخدمة فإنه جائز، وكذلك الولاء، فقد «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته (١)» وجعل الله الولاء كالنسب، يثبت للمعتق كما يثبت النسب للوالد.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: «من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (٢)» وأبطل الله ما كانوا عليه في الجاهلية من تبني الرجل ابن غيره، وانتساب المعتق إلى غير مولاه. فهذا أمر لا يجوز فعله بغير شرط، فلا يبيح الشرط منه ما كان حراما. وأما ما كان مباحا بدون الشرط، فالشرط يوجبه، كالزيادة في المهر والثمن والرهن، وتأخير الاستيفاء. فإن الرجل له أن يعطي المرأة، وله أن يتبرع بالرهن وبالأنظار، ونحو ذلك، فإذا شرطه صار واجبا، وإذا وجب فقد حرم المطالبة التي كانت حلالا بدونه؛ لأن المطالبة لم تكن حلالا مع عدم الشرط فإن الشارع لم يبح مطالبة المدين مطلقا، فما كان حلالا وحراما مطلقا فالشرط لا يغيره.

وأما ما أباحه الله في حال مخصوصة ولم يبحه مطلقا، فإذا حوله الشرط عن تلك الحال لم يكن الشرط قد حرم ما أحله الله. كذلك ما حرمه الله في حال مخصوصة، ولم يحرمه مطلقا، لم يكن الشرط قد أباح ما حرمه الله، وإن كان بدون الشرط يستصحب حكم الإباحة والتحريم، لكن فرق بين ثبوت الإباحة والتحريم بالخطاب، وبين ثبوته بمجرد الاستصحاب.

فالعقد والشرط يرفع موجب الاستصحاب، لكن لا يرفع ما أوجبه كلام الشارع، وآثار الصحابة توافق ذلك، كما قال عمر رضي الله عنه: " مقطع الحقوق عند الشروط ".


(١) صحيح البخاري الفرائض (٦٧٥٦)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٦)، سنن الترمذي الولاء والهبة (٢١٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٥٧)، سنن أبو داود الفرائض (٢٩١٩)، سنن ابن ماجه الفرائض (٢٧٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٧)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥٢٢)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٧٢).
(٢) سنن الترمذي الوصايا (٢١٢١)، سنن ابن ماجه الوصايا (٢٧١٢)، سنن الدارمي السير (٢٥٢٩).