للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده (١)» وهذا تقويم لكفاية زيد القيادة وكفاية ابنه أسامة القيادية أيضا، يفوق كل تقويم؛ لأنه تقويم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعادله ولا يقاربه أي تقويم آخر.

وقد كانت عائشة أم المؤمنين أقرب المقربين للنبي صلى الله عليه وسلم وأعرفهم به تقول: «ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم ولو بقي بعده لاستخلفه (٣)».

ذلك هو مبلغ تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لكفاية زيد القيادية وثقته الكاملة به واعتماده المطلق عليه، وهو تقدير عظيم وثقة بالغة واعتماد هائل، استحقه زيد بمزاياه القيادية أولا وقبل كل شيء، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي ثقته الكاملة إلا لمن يستحقها بجدارة، وكان يبنى الإنسان المسلم بالعقيدة الراسخة، والأسوة الحسنة التي يضربها للمسلمين كافة بشخصه الكريم، وبتوليه الرجل المناسب للعمل المناسب ليقود الأمة أفضل رجالها عقيدة واقتدارا بالنسبة للواجبات والمسئوليات التي يتقلدونها.

فما الذي يستطيع القادة أن يتعلموه من سجايا زيد القيادية؟

كان من الرماة المعدودين المذكورين (٤) من بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أي أنه كان السن، والاستمساك بعرى التفاضل بالأنساب والأحساب والعشائر والقبائل. . . إن التفاضل في الإسلام يخضع للتقوى وصالح الأعمال، بالإضافة إلى الكفايات المناسبة للعمل المناسب.

وقد رفعت مزايا زيد القيادية وإيمانه الراسخ العميق إلى الإمارة.

لقد كان لزيد قابلية فذة لإعطاء قرار سريع صحيح في الوقت والمكان المناسبين، وكانت كل سراياه بحاجة ماسة إلى إصدار قرارات سريعة


(١) فتح الباري بشرح البخاري (٧/ ٦٩)، وانظر الإصابة (٣/ ٢٦)، وتهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٦٠).
(٢) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٦)، وتهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٦١).
(٣) رواه النسائي، انظر فتح الباري بشرح البخاري (٧/ ٦٩). (٢)
(٤) تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٢٠٢)، وتهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٥٩)، وطبقات ابن سعد (٣/ ٤٥).