وصحيحة، وحين وجد العدو في سرية مؤتة قد حشد له ما لا قبل للمسلمين به، عزم أن يتريث في قبول المعركة غير المتكافئة ويستشير النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف الجديد، ولكن المتحمسين من المجاهدين الذين خرجوا للجهاد طلبا للشهادة وعلى رأسهم عبد الله بن رواحة، أرادوا لقاء العدو مهما تكن نتائج هذا اللقاء، فانصاع زيد لنداء العاطفة، ويبدو أن الأحداث تطورت بسرعة عظيمة فاضطرت المسلمين إلى قبول المعركة، فكان سرية مؤتة إخفاقا تعبويا ولكنها كانت نصرا سوقيا، جعلت الروم جيران المسلمين في الشمال، يلمسون عمليا بأن العرب بالإسلام أصبحوا خلقا جديدا، فأصبحت حربهم ليست حربا عابرة، بل هي حرب لها ما بعدها كأية حرب نظامية تتميز بإرادة القتال وبالنظام والتنظيم والاستمرارية.
وكان زيد ذا إرادة قوية ثابتة، استطاع أن يتغلب بسهولة ويسر على كثير من المصاعب والعقبات في سراياه، التي كان أكثرها يتسم بالمغامرة والمشاق، فنجح بفضل إرادة الله على ما صادفه من معضلات ومشاق.
وكان من أولئك القادة الذين يتحملون المسئولية ويتقبلونها قبولا حسنا، ولا يتملصون منها بإلقائها على عواتق الآخرين.
وكان ذا نفسية ثابتة لا تتبدل: لا يطربها النصر فيؤدي بها إلى مزالق الشطط، ولا يقلقها الانتصار فيحملها إلى مهاوي الانهيار، والشطط والانهيار تلحق الكوارث بالقائد ورجاله.
وما دام المرء لا يعمل لنفسه، بل يعمل للمصلحة العامة، وتكون نيته خالصة لوجه الله، فإن نفسيته تكون ثابتة لا تتغير.
وكان عارفا بنفسيات رجاله وقابلياتهم؛ لأنه نشأ بينهم وعمل معهم، وعايشهم طويلا في حالتي الحرب والسلام، إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المقربين وآل بيته الطاهرين، فكان يكلف كل فرد منهم بما يناسب نفسيته وقابليته.
وكان يثق برجاله ثقة مطلقة، ويثق به رجاله ثقة مطلقة، والثقة الأساس