للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويرى بعضهم أن ابن خلدون كان ابن عصره، وأننا لا يجوز أن نتصوره تصورا بطوليا منفصلا عن بيئته وظروفها والعصر وتراثه، بل هو - كما يرى هؤلاء- ابن عصره وبيئته، وأنه أفاد من جهود المؤرخين السابقين، وخصوصا بعد أن تحررت فكرة التأريخ من الاعتماد على المنقول، وتعلقت بآفاق من التعدد الثقافي في الحضارات الإنسانية، والتعليل العقلي للمادة التاريخية منذ عصر المسعودي (١).

ونحن نخالف هذا القول بهذا الإطلاق العام، ونعتقد أن عبد الرحمن بن خلدون كان ظاهرة تمثل رد فعل لعصره، وومضة متألقة في بيئة عصره وظروفه، وكأنها ألق الشمس قبل غروب دورة من دورات الحضارة، ونحن مع العلامة (مالك بن نبي) في أن عصر ابن خلدون لم يكن في مستوى ابن خلدون، ولو أنه كان في مستواه لأمكن أن تكون مقدمة ابن خلدون منعطفا جديدا في مسيرة البناء الثقافي الإسلامي.

وقد شهد عصر ابن خلدون سقوط آخر دولة مغربية وأندلسية عظمى، وهي دولة الموحدين التي أسسها المهدي بن تومرت (فكريا) وعبد المؤمن بن علي (سياسيا) قبيل منتصف القرن السادس الهجري، وقد قسمت هذه الدولة إلى ثلاث هي:

الحفصيون في إفريقية (تونس)، وبنو عبد الواد (بنو زيان) في الجزائر، وبنو مرين في المغرب الأقصى.

وقد كان عصره- كعصر ابن حزم الأندلسي في القرن الخامس الهجري - عصر فتن ودسائس وانقسامات، حتى إنه اضطر لأن يغمس يده في هذه الفتن.

على أن هذا لا يجعلنا ننكر تأثر ابن خلدون ببعض المؤرخين المسلمين السابقين الذين كانت تظهر على أيديهم أفكار متكاملة في تفسير التأريخ،


(١) د. عفت الشرقاوي: أدب التاريخ عند العرب ٣٢٨.