للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب. ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.

قوله تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات الست كسائر المبتدعات، هذا الكلام فيه إجمال قد يستغله أهل التأويل والإلحاد في أسماء الله وصفاته، وليس لهم بذلك حجة؛ لأن مراده رحمه الله تنزيه البارئ سبحانه عن مشابهة المخلوقات، لكنه أتى بعبارة مجملة تحتاج إلى تفصيل حتى يزول الاشتباه، فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر، فهو سبحانه لا يعلم حدوده إلا هو سبحانه؛ لأن الخلق لا يحيطون به علما كما قال عز وجل في سورة طه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (١) ومن قال من السلف بإثبات الحد في الاستواء أو غيره، فمراده حد يعلمه الله سبحانه ولا يعلمه العباد، وأما الغايات والأركان والأعضاء والأدوات فمراده رحمه الله تنزيهه عن مشابهة المخلوقات في حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم ونحو ذلك، فهو سبحانه موصوف بذلك، لكن ليست صفاته مثل صفات الخلق، ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ لينفوا بها الصفات بغير الألفاظ التي تكلم الله بها وأثبتها لنفسه، حتى لا يفتضحوا وحتى لا يشنع عليهم أهل الحق. والمؤلف الطحاوي رحمه الله لم يقصد هذا المقصد لكونه من أهل السنة المثبتين لصفات الله وكلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، ويفسر مشتبهه بمحكمه، وهكذا قوله لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات مراده الجهات الست المخلوقة، وليس مراد نفي علو الله واستوائه على عرشه؛ لأن ذلك ليس داخلا في الجهات الست، بل هو فوق العالم، ومحيط به، وقد فطر الله عباده على الإيمان بعلوه سبحانه، وأنه في جهة العلو، وأجمع أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان على ذلك، والأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة كلها تدل على أنه في العلو سبحانه، فتنبه لهذا الأمر العظيم أيها القارئ الكريم، واعلم أنه الحق وما سواه باطل، والله ولي التوفيق.


(١) سورة طه الآية ١١٠