للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير المسلم لا يحل له أن ينكح مسلمة أو تبقى في عصمته إن كان مؤمنا فارتد بعد الإيمان، ونحو هذه الميزات الشرعية؛ لعلو وشرف مرتبة الإيمان على مرتبة مسمى الإنسانية شرعا وعقلا ومنطقا وواقعا، قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (١)، وقال: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (٢) {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (٣) {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (٤). وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} (٥) هذا نص بأن لا تسوية في الثواب والمنزلة في الآخرة، فكذلك في الدنيا. وهذا التميز الحق هو من آثار حكمة الله وعدله بين عباده، كما أنه من آثار رحمته بهم؛ إذ هو في حقيقته حافز المزيد من الهدى والترفع عن أسباب الردى والوصول بالإنسانية إلى شاطئ النجاة وأسباب السعادة في الدارين تحت مظلة الأخوة الإيمانية وترابطها كالجسد الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمنين: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (٦)».

فأين واقع العلمانية المتناحرة من واقع الأخوة الإيمانية والإنسانية الإسلامية المتراحمة؟ وليس معنى ما تقدم من فوارق شرعية بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم أنه فارق مطرد في أحكام الدنيا وجوانب شئون الحياة تجاه هذين الصنفين من البشر: المرأة وغير المسلمين. كلا، بل هناك مساواة في أمور جوهرية لا يتسع المقام لتفصيلها في عجالة مقال مثل هذا، لكن على سبيل المثال: المساواة في نظرة الإحسان ومقام العدل في الأحكام وعدم التعدي في النفس والعرض والمال والمعارف ما استقام غير المسلم على عهده ووفى بعقده ذكرا كان أو أنثى، سلما وحربا ثابتة معلومة، كما أن باب الاجتهاد


(١) سورة ص الآية ٢٨
(٢) سورة القلم الآية ٣٤
(٣) سورة القلم الآية ٣٥
(٤) سورة القلم الآية ٣٦
(٥) سورة السجدة الآية ١٨
(٦) رواه البخاري في كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم، ومسلم في كتاب البر والصلة، واللفظ له ج ١٦ ص ١٤٠ بشرح النووي.