للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم وهل يصير العتق واجبا على المشتري، كما يجب العتق بالنذر بحيث يفعله الحاكم إذا امتنع، أم يملك البائع الفسخ عند امتناعه من العتق، كما يملك الفسخ بفوات الصفة المشروطة في البيع؟ على وجهين في مذهبهما. ثم الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد يرون هذا خارجا عن القياس؛ لما فيه من منع المشتري من التصرف في ملكه بغير العتق، وذلك مخالف لمقتضى العقد، فإن مقتضاه الملك الذي يملك صاحبه التصرف طلقا.

قالوا: وإنما جوزته السنة؛ لأن الشارع له إلى العتق تشوف لا يوجد في غيره، ولذلك أوجب فيه السراية، مع ما فيه من إخراج ملك الشريك بغير اختياره، وإذا كان مبناه على التغليب والسراية والنفوذ في ملك الغير لم يلحق به غيره. فلا يجوز اشتراط غيره.

وأصول أحمد ونصوصه تقتضي جواز شرط كل تصرف فيه مقصود صحيح - وإن كان فيه منع من غيره - قال ابن القاسم: قيل لأحمد: الرجل يبيع الجارية على أن يعتقها؟ فأجازه: فقيل له: فإن هؤلاء - يعني أصحاب أبي حنيفة - يقولون: لا يجوز البيع على هذا الشرط، قال: لم لا يجوز؟ قد اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعير جابر واشترط ظهره إلى المدينة، وأشرت عائشة بريرة على أن تعتقها، فلم لا يجوز هذا؟ قال: وإنما هذا شرط واحد، والنهي إنما هو على شرطين. قيل له: فإن شرط شرطين أيجوز؟ قال: لا يجوز.

فقد نازع من منع منه، واستدل على جوازه باشتراط النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر بعير جابر، وبحديث بريرة، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن شرطين في بيع، مع أن حديث جابر فيه استثناء بعض منفعة المبيع. وهو نقض لموجب العقد المطلق، واشتراط العتق فيه تصرف مقصود مستلزم لنقص موجب العقد المطلق.

فعلم أنه لا يفرق بين أن يكون النقص في التصرف أو في المملوك، واستدلاله بحديث الشرطين دليل على جواز هذا الجنس كله، ولو كان العتق على خلاف القياس لما قاسه على غيره، ولا استدل عليه بما يشمله وغيره.

وكذلك قال أحمد بن الحسين بن حسان: سألت أبا عبد الله عمن اشترى مملوكا واشترط: هو حر بعد موتي؟ قال: هذا مدبر، فجوز اشتراط التدبير كالعتق. ولأصحاب الشافعي في شرط التدبير خلاف. صحح الرافعي أنه لا يصح.

وكذلك جواز اشتراط التسري. فقال أبو طالب: سألت أحمد عن رجل اشترى جارية بشرط أن يتسرى بها، تكون نفيسة، يحب أهلها أن يتسرى بها، ولا تكون للخدمة، قال: لا بأس به فلو كان التسري للبائع وللجارية فيه مقصود صحيح جوزه.