للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك جوز أن يشترط البائع الجارية ونحوها على المشتري أنه لا يبيعها لغير البائع، وأن البائع يأخذها إذا أراد المشتري بيعها بالثمن الأول. كما رووه عن عمر وابن مسعود وامرأته زينب.

* * *

وجماع ذلك: أن المبيع الذي يدخل في مطلق العقد بأجزائه ومنافعه يملكان اشتراط الزيادة عليه. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم ـ: «من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (١)» فجوز للمشتري اشتراط زيادة على موجب العقد المطلق، وهو جائز بالإجماع. ويملكان اشتراط زيادة على موجب العقد المطلق، وهو جائز بالإجماع، ويملكان اشتراط النقص منه بالاستثناء كما «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثنايا إلا أن تعلم (٢)» فدل على جوازها إذا علمت، وكما استثنى جابر ظهر بعيره إلى المدينة.

وقد أجمع المسلمون - فيما أعلمه - على جواز استثناء الجزء الشائع، مثل أن يبيعه الدار إلا ربعها أو ثلثها، واستثناء الجزء المعين إذا أمكن فصله بغير ضرر. مثل أن يبيعه ثمر البستان إلا نخلات بعينها، أو الثياب إلا العبيد، أو الماشية التي قدر رأياها، إلا شيئا منها قد عيناه.

واختلفوا في استثناء بعض المنفعة، كسكنى الدار شهرا، أو استخدام العبد شهرا، أو ركوب الدابة مدة معينة، أو إلى بلد بعينه، مع اتفاق الفقهاء المشهورين وأتباعهم وجمهور الصحابة: على أن ذلك قد يقع. كما إذا اشترى أمة مزوجة، فإن منفعة بضعها التي يملكها الزوج لم تدخل في العقد، كما اشترت عائشة بريرة وكانت مزوجة. لكن هي اشترتها بشرط العتق، فلم تملك التصرف فيها إلا بالعتق، والعتق لا ينافي نكاحها. فلذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما - وهو ممن روى حديث بريرة - يرى أن بيع الأمة طلاقها، مع طائفة من الصحابة تأويلا لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٣) سورة النساء آية: ٢٤. قالوا: فإذا ابتاعها أو اتهبها أو ورثها فقد ملكتها يمينه فتباح له. ولا يكون ذلك إلا بزوال ملك الزوج. واحتج بعض الفقهاء على ذلك: بحديث بريرة.

فلم يرض أحمد هذه الحجة؛ لأن ابن عباس رواه وخالفه. وكذلك - والله أعلم - لما ذكرته من أن عائشة لم تملك بريرة ملكا مطلقا.

ثم الفقهاء قاطبة وجمهور الصحابة على أن الأمة المزوجة إذا انتقل الملك فيها - ببيع أو هبة أو إرث أو نحو ذلك، وكان مالكها معصوم الملك - لم يزل عنها ملك الزوج، وملكها المشتري ونحوه إلا منفعة البضع.

ومن حجتهم: أن البائع نفسه لو أراد أن يزيل ملك الزوج لم يمكنه ذلك فالمشتري الذي هو دون البائع لا يكون أقوى منه، ولا يكون الملك الثابت للمشتري أتم من ملك البائع، والزوج معصوم لا يجوز الاستيلاء


(١) صحيح البخاري الشروط (٢٧١٦)، صحيح مسلم البيوع (١٥٤٣)، سنن الترمذي البيوع (١٢٤٤)، سنن النسائي البيوع (٤٦٣٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٣٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢١١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٨٢)، موطأ مالك البيوع (١٣٠٢).
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٢٩٠)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٨٨٠).
(٣) سورة النساء الآية ٢٤