للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على حقه، بخلاف المسبية، فإن فيها خلافا ليس هذا موضعه، لكون أهل الحرب تباح دماؤهم وأموالهم، وكذلك ما ملكوا من الأبضاع.

وكذلك فقهاء الحديث وأهل الحجاز متفقون على أنه إذا باع شجرا قد بدا ثمره - كالنخل المؤبر - فثمره للبائع مستحق الإبقاء إلى كمال صلاحه، فيكون البائع قد استثنى منفعة الشجر إلى كمال الصلاح. وكذلك بيع العين المؤجرة - كالدار والعبد - عامتهم يجوزه، ويملكه المشتري دون المنفعة التي للمستأجر.

ففقهاء الحديث كأحمد وغيره يجوزون استثناء بعض منفعة العقد، كما في صور الوفاق، كاستثناء بعض أجزائه معينا ومشاعا، كذلك يجوزون استثناء بعض أجزائه معينا، إذا كانت العادة جارية بفصله، كبيع الشاة واستثناء بعضها، سواء قطعها من الرأس والجلد والأكارع، وكذلك الإجارة. فإن العقد المطلق يقتضي نوعا من الانتفاع في الإجارات المقدرة بالزمان، كما لو استأجر أرضا للزرع، أو حانوتا لتجارة فيه، أو صناعة أو أجيرا لخياطة، أو بناء ونحو ذلك، فإنه لو زاد على موجب العقد المطلق، أو نقص عنه: فإنه يجوز بغير خلاف أعلمه في النكاح، فإن العقد المطلق يقتضي ملك الاستمتاع المطلق الذي يقتضيه العرف حيث شاء ومتى شاء، فينقلها إلى حيث شاء إذا لم يكن فيه ضرر، إلا ما استثناه من الاستمتاع المحرم الذي هو مهر المثل، وملكها للاستمتاع في الجملة، فإنه لو كان مجبوبا أو عنينا ثبت لها الفسخ عند السلف والفقهاء والمشاهير، ولو آلى منها ثبت لها فراقه إذا لم يفئ بالكتاب والإجماع، وإن كان من الفقهاء من يوجب عليها الوطء، وقسم الابتداء، بل يكتفي بالباعث الطبيعي، كمذهب أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد. فإن الصحيح من وجوه كثير أنه يجب عليه الوطء والقسم كما دل عليه الكتاب والسنة وآثار الصحابة والاعتبار.

وقيل: يتقدر الوطء الواجب بمرة في كل أربعة أشهر، اعتبارا بالإيلاء، ويجب أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها بالمعروف. فيه خلاف في مذهب أحمد وغيره.

والصحيح الذي يدل عليه أكثر نصوص أحمد، وعليه أكثر السلف: أن ما يوجبه العقد لكل واحد من الزوجين على الآخر، كالنفقة والاستمتاع والمبيت للمرأة، وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدار، بل المرجع في ذلك إلى العرف، كما دل عليه الكتاب في مثل قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (١) سورة البقرة آية: ٢٢٨. والسنة في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (٢)» وإذا تنازع الزوجان فيه فرض الحاكم باجتهاده. كما فرضت الصحابة مقدار الوطء للزوج بمرات معدودة، ومن قدر من أصحاب أحمد الوطء المستحق، فهو كتقدير الشافعي النفقة، إذ كلاهما تحتاجه المرأة ويوجبه العقد. وتقدير ذلك ضعيف عند عامة الفقهاء، بعيد عن معاني الكتاب والسنة والاعتبار. والشافعي إنما قدره طردا للقاعدة التي ذكرناها عنه من نفيه للجهالة في جميع العقود، قياسا على المنع من بيع الغرر، فجعل النفقة المستحقة بعقد النكاح مقدرة: طردا لذلك. وقد تقدم التنبيه على هذا الأصل.


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٨
(٢) صحيح البخاري النفقات (٥٣٦٤)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٤)، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٢٠)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٣٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٠٦)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٥٩).