للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد: فالقول في هذا الخبر هو على ظاهره دون تزيد ولا ظن كاذب مضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تحريف اللفظ وهو إن اشترط الولاء على المشتري في المبيع للعتق كان لا يضر البيع شيئا وكان البيع على هذا الشرط جائزا حسنا مباحا وإن كان الولاء مع ذلك للمعتق، وكان اشتراط البائع الولاء لنفسه مباحا غير منهي عنه ثم نسخ الله عز وجل ذلك وأبطله إذ خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك كما ذكرنا، فحينئذ حرم أن يشترط هذا الشرط أو غيره جملة إلا شرطا في كتاب الله تعالى لا قبل ذلك أصلا، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١) وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (٢)

برهان ذلك أنه عليه السلام قد أباح ذلك وهو عليه السلام لا يبيح الباطل ولا يغر أحدا ولا يخدعه، فإن قيل: فهلا أجزتم البيع بشرط العتق في هذا الحديث؟ قلنا: ليس فيه اشتراطهم عتقها أصلا (٣) ولو كان لقلنا به، وقد يمكن أنهم اشترطوا ولاءها إن أعتقت يوما ما أو إن أعتقها إذ إنما في الحديث أنهم اشترطوا ولاءها لأنفسهم فقط ولا يحل أن يزاد في الأخبار شيء لا لفظ ولا معنى فيكون من فعل ذلك كاذبا، إلا أننا نقطع ونبت أن البيع بشرط العتق لو كان جائزا لنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وبينه، فإذا لم يفعل فهو شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولا فرق بين البيع بشرط العتق وبين بيعه بشرط الصدقة، أو بشرط الهبة، أو بشرط التدبير، وكل ذلك لا يجوز.

ومن حديث جابر، فإننا رويناه من طريق البخاري نا أبو نعيم نا زكريا سمعت عامرا الشعبي يقول: حدثني جابر بن عبد الله «أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربه فدعا له فسار سيرا ليس يسير مثله ثم قال: بعنيه بأوقية، قلت: لا ثم قال: بعنيه بأوقية فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على أثري فقال: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك (٥)» ومن طريق مسلم: نا ابن نمير نا أبي نا زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن عامر الشعبي حدثني جابر بن عبد الله فذكر هذا الخبر وفيه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: بعنيه فبعته بأوقية واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك (٧)» ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن العلاء نا أبو معاوية عن الأعمش عن


(١) سورة الأحزاب الآية ٣٦
(٢) سورة الأحزاب الآية ٦
(٣) في النسخة رقم ١٤ عتقا أصلا.
(٤) صحيح البخاري الشروط (٢٧١٨).
(٥) في صحيح البخاري ج٤ ص ٣٠ فسار يسير. (٤)
(٦) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٩٦٧)، صحيح مسلم المساقاة (٧١٥)، سنن النسائي البيوع (٤٦٣٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٧٦).
(٧) في النسخة رقم ١٦ ثم إني رجعت وما هنا موافق لما في صحيح مسلم ج١ ص ٤٧٠. (٦)