للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر، يدل لذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (١)». وعلى هذا فإن أي إحداث في الدين مردود على من أحدثه وغير مقبول لما روى الشيخان وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (٢)». وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (٣)».

وإنما كانت البدع مردودة على من عملها لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله سبحانه، لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون المبتدعون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا ولا شك فيه خطر عظيم واعتراض على رب العالمين واستدراك على رسوله صلى الله عليه وسلم واتهام له بالخيانة والكتمان وحاشاه صلى الله عليه وسلم ذلك. كيف يكون هذا وهو القائل: «من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة (٤)». فهذا محال بالنسبة لسائر المؤمنين فكيف بقدوتهم وأسوتهم صلوات الله عليه وسلامه.

ومعلوم أن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة. . كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي


(١) صحيح مسلم العلم (٢٦٧٤)، سنن الترمذي العلم (٢٦٧٤)، سنن أبو داود السنة (٤٦٠٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٩٧)، سنن الدارمي المقدمة (٥١٣).
(٢) صحيح البخاري الصلح (٢٦٩٧)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٨)، سنن أبو داود السنة (٤٦٠٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٥٦).
(٣) صحيح مسلم الأقضية (١٧١٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٨٠).
(٤) رواه الترمذي في " العلم " وابن ماجه في المقدمة بهذا المعنى.