للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - والدين عنصر ضروري لقوة الإرادة عند الإنسان، فهو يمدها بأعظم البواعث والدوافع لعمل الواجب، ويحصنها بأقوى الوسائل لدفع اليأس ومقاومة القنوط، وبهذا يمضي الإنسان في طريقه إلى ما تطمح له نفسه من أماني وآمال وهو لا يلوي على شيء.

إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا

وأما بالنسبة للمجتمع.

١ - فالدين بما حواه من هداية إلهية وتشريعات سماوية، يكفل للمجتمع الإنساني كل عوامل السعادة والأمن والاستقرار، ولا يكون ذلك أبدا عن تشريع وضعي وضعه فرد أو جماعة لأمة معينة؛ ذلك لأن الإنسان مهما سما فكره ونضج عقله لا يمكن أن يحيط خبرا بكل ما يوفر للإنسانية سعادتها وأمنها واستقرارها، لأنه - لاعتبارات وملابسات شتى- قد يرى الحسن قبيحا، والقبيح حسنا، وقد يظن النافع ضارا، والضار نافعا، وقد يشرع على وفق ميوله وهواه دون مراعاة للمصلحة العامة، وينتهي به الأمر إلى تشريع يقوض ولا ينظم، ويدمر ولا يعمر، ومن وراء ذلك ضياعه وضياع الجماعة التي يعيش بينها.

والله الذي خلق الإنسان، وركب فيه طبائعه ونوازعه، وآماله وآلامه، وإيثاره وأثرته، ورغباته وشهوته، هو الخبير بكل علله وأدوائه، والعليم بوسائل شفائه، وناجع دوائه، فهو وحده الذي يقدر أن يضع للجماعات الإنسانية من الشرائع والقوانين ما يحقق لها أسباب السعادة، ويوفر لها عوامل العزة والمنعة، ويهيئ لها كل وسائل الأمن والاستقرار، وذلك يكون في نطاق دين يدعوها إليه على لسان رسول منها، ويتعبدها به على أنه الدين الحق الذي لا يحيد عنه إلا هالك.

٢ - والدين بعد ذلك هو السلطان المهيمن على نفوس المؤمنين به، يحملهم على الأخذ بتعاليمه، ويدفعهم إلى القيام بما سنه لهم من تشريع وتنظيم، ويدفعهم إلى التحلي بالفضائل، ويحول بينهم وبين ارتكاب الرذائل، وليس هناك وراء الدين شيء يهيمن على النفوس، فلا العقوبات المادية تغني، ولا سلطان الحاكمين يجدي، وحرمة النظم والقوانين أيا كانت لا يكفلها شيء من ذلك، وإنما يكفلها ويرعاها شيء واحد هو الضمير الديني الذي ينبع من قرارة النفوس المؤمنة التي تراقب الله في سرها وعلنها.

٣ - والدين يجعل الجماعة الإنسانية على قلب رجل واحد، يجمعهم على الخير والبر، ويؤلف بين قلوبهم حتى يكونوا إخوة متحابين متناصحين، متعاونين، متكافلين، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.