للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر قم فاقضه (١)»، فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات. إلى أن قال رحمه الله تعالى:

(الخامسة والثلاثون) قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٢) تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد، كما إذا اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع؛ لأنه طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض؛ لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض، ولو كان مقبوضا لم يؤثر، هذا مذهب أبي حنيفة وهو قول لأصحاب الشافعي. ويستدل به على أن هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد خلافا لبعض السلف، ويروى هذا الخلاف عن أحمد. وهذا إنما يتمشى على قول من يقول: إن العقد في الربا كان في الأصل منعقدا وإنما بطل بالإسلام الطارئ قبل القبض. وأما من يمنع انعقاد الربا في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحا، وذلك أن الربا كان محرما في الأديان والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين، وأن ما قبضوه منه كان بمثابة أهوال وصلت إليهم بالهبة فلا يتعرض له، فعلى هذا لا يصح الاستشهاد على ما ذكروه من المسائل، واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله تعالى كما حكى عن اليهود في قوله تعالى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (٣) وذكر في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (٤)

فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به، نعم يفهم من هذا العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ إذا كانت معقودة على فساد.


(١) صحيح البخاري الصلاة (٤٥٧)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٥٨)، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٠٨)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٩٥)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٥٤)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨٧).
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٣) سورة النساء الآية ١٦١
(٤) سورة هود الآية ٦٢