الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (١)». رواه البخاري ومسلم.
يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث:
ويتفرع على هذا معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط، فإن كان أكثر ماله الحرام فقال أحمد: ينبغي أن يتجنبه إلا أن يكون شيئا يسيرا شيئا لا يعرف. واختلف أصحابنا هل هو مكروه أو محرم على وجهين، وإن كان أكثر ماله الحلال جازت معاملته والأكل من ماله، وقد روى الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في جوائز السلطان: لا بأس بها ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم أنهم لا يجتنبون الحرام كله، وإن اشتبه الأمر فهو شبهة والورع تركه، قال سفيان يعجبني ذلك وتركه أعجب إلي، وقال الزهري ومكحول: لا بأس أن يؤكل منه ما لم يعرف أنه حرام بعينه فإن لم يعرف في ماله حرام بعينه ولكن علم أن فيه شبهة فلا بأس بالأكل منه نص عليه أحمد في رواية حنبل. وذهب إسحاق بن راهويه إلى ما روي عن ابن مسعود وسليمان وغيرهما من الرخصة وإلى ما روي عن الحسن وابن سيرين في إباحة الأخذ بما يقضى من الربا والقمار. ونقله عنه ابن منصور وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إن كان المال كثيرا أخرج منه قدر الحرام وتصرف في الباقي، وإن كان المال قليلا اجتنبه كله؛ وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئا فإنه يتعذر معه السلامة من الحرام بخلاف الكثير.
(١) صحيح البخاري الإيمان (٥٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩)، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١).