تجويز العقوبات المالية تارة بالأخذ وتارة بالإتلاف كما يقوله أحمد في متاع الغال، وكما يقوله أحمد ومن يقوله من المالكية في أوعية الخمر ومحل الخمار. وغير ذلك. فإن العقوبة بإتلاف بعض الأموال أحيانا كالعقوبة بإتلاف بعض النفوس أحيانا. وهذا يجوز إذا كان فيه من التنكيل على الجريمة من المصلحة ما شرع له ذلك.
وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه فهذا مثل إتلافها. فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها من انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل أيضا. بل أهو أشد منه من وجهين.
(أحدهما): أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به.
(الثاني): أن العادة جارية بأن مثل هذه الأمور لا بد أن يستولي عليها أحد من الظلمة بعد هذا إذا لم ينفقها أهل العدل والحق فيكون حبسها إعانة للظلمة، وتسليما في الحقيقة إلى الظلمة فيكون قد منعها أهل الحق، وأعطاها أهل الباطل، ولا فرق بين القصد وعدمه في هذا فإن من وضع إنسانا بمسبعة فقد قتله، ومن ألقى اللحم بين السباع فقد أكله، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولي عليها من الظلمة فقد أعطاهموها، فإذا كان إتلافها حراما وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله؛ لأن الله خلق الخلق لعبادته وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته. فتصرف في سبيل الله والله أعلم.