للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة ومالك وعامة السلف إعطاء هذه الأموال لأولى الناس بها. ومذهب الشافعي أنها تحفظ مطلقا ولا تنفق بحال. فيقول فيما جهل مالكه من الغصوب والعواري والودائع إنها تحفظ حتى يظهر أصحابها كسائر الأموال الضائعة. ويقول في العين التي عرفت لأحد رجلين: يوقف الأمر حتى يصطلحا ومذهب أحمد وأبي حنيفة فيما جهل مالكه أنه يصرف عن أصحابه في المصالح كالصدقة على الفقراء، وفيما استبهم مالكه القرعة عند أحمد والقسمة عند أبي حنيفة. إلى أن قال: وتحريم هذه جميعا يعود إلى الظلم فإنها تحرم لسببين:

أحدهما: قبضها بغير طيب نفس صاحبها ولا إذن الشارع، وهذا هو الظلم المحض كالسرقة، والخيانة، والغصب الظاهر، وهذا أشهر الأنواع بالتحريم.

والثاني: قبضها بغير إذن الشارع. وإن أذن صاحبها وهي العقود والقبوض المحرمة كالربا ونحو ذلك والواجب على من حصلت بيده ردها إلى مستحقها. فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: «فإن وجدت صاحبها فارددها إليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء (١)» وكذلك اتفق المسلمون على أن من مات ولا وارث له معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين.

إلى أن قال: وله دليلان قياسيان قطعيان كما ذكرنا من السنة والإجماع فإن ما لا يعلم بحال أو لا يقدر عليه بحال، هو في حقنا بمنزلة المعدوم، فلا نكلف إلا بما نعلمه ونقدر عليه. والدليل الثاني: القياس مع ما ذكرنا من السنة والإجماع أن هذه الأموال لا تخلو إما أن تحبس، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق.

فأما إتلافها فإفساد لها {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (٢) وهو إضاعة لها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إضاعة المال، وإن كان في مذهب أحمد ومالك


(١) سنن أبو داود اللقطة (١٧٠٩)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٥٠٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٢).
(٢) سورة البقرة الآية ٢٠٥