معتقدا لتحريمها بخلاف الكافر. وذلك لأنه إذا طلب الأجرة قلنا له: أنت فرطت، حيث صرفت قوتك في عمل محرم، فلا يقضى لك بأجرة. فإذا قبضها ثم قال الدافع: هذا المال اقضوا لي برده فإنما أقبضته إياه عوضا عن منفعة محرمة قلنا له: دفعته بمعاوضة رضيت بها فإذا طلبت استرجاع ما أخذه فرد إليه ما أخذته. إذا كان له في بقائه معه منفعة فهذا ومثله يتوجه فيما يقبض من ثمن الميتة والخمر.
وأيضا فمشتري الخمر إذا أقبض ثمنها وقبضها وشراها ثم طلب أن يعاد إليه الثمن كان الأوجه أن يرد إليه الثمن ولا يباح للبائع ولا سيما ونحن نعاقب الخمار بياع الخمر بأن نحرق الحانوت التي تباع فيها. نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرق حانوتا يباع فيها الخمر، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق قرية يباع فيها الخمر، وهي آثار معروفة، وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع؛ وذلك لأن العقوبات المالية عندنا باقية غير منسوخة (١).
وسئل أيضا رحمه الله تعالى عن امرأة كانت مغنية واكتسبت في جهلها مالا كثيرا وقد تابت وحجت إلى بيت الله تعالى وهي محافظة على طاعة الله تعالى فهل المال الذي اكتسبته من حلي وغيره إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه؟
فأجاب: المال المكسوب إن كانت عين أو منفعة مباحة في نفسها، وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبا لمن يتخذه خمرا أو من يستأجر لعصر الخمر أو حملها فهذا يفعله بالعوض لكن لا يطيب له أكله، وأما إن كانت العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر. فهنا لا يقضى له به قبل القبض. ولو أعطاه إياه لم يحكم برده. فإن هذا معونة لهم على المعاصي: إذا جمع لهم بين العوض والمعوض ولا يحل هذا المال للبغي
(١) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، صفحة ٢٤٧، ٢٤٨.