للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخمار ونحوهما لكن يصرف في مصالح المسلمين. فإن تابت هذه البغي وهذا الخمار وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل أعطي ما يكون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به، ولم يردوا عوض القرض كان أحسن.

وأما إذا تصدق به لاعتقاده أنه يحل عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك، وأما إذا تصدق به كما يتصدق المالك بملكه فهذا لا يقبله الله- إن الله لا يقبل إلا الطيب فهذا خبيث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهر البغي خبيث (١)» (٢).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه عن حقوق العباد وصورها في مسائل إلي أن قال:

فصل: المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمة، وقبض العوض كالزاني والمغني وبائع الخمر، وشاهد الزور ونحوهم، ثم تاب والعوض بيده، فقالت طائفة: يرده إلى مالكه. إذا هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح.

وقالت: طائفة بل توبته بالتصدق به، ولا يدفعه إلى من أخذه منه.

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين، فإن قابضه إنما قبضه ببذل مالكه له، ورضاه ببذله، وقد استوفى عوضه المحرم فكيف يجمع له بين العوض والمعوض، وكيف يرد عليه مالا قد استعان به على معاصي الله، ورضي بإخراجه فيما يستعين به عليها ثانيا وثالثا؟ وهل هذا إلا محض إعانته على الإثم والعدوان؟ وهل يناسب هذا محاسن الشرع أن يقضى للزاني بكل ما دفعه إلى من زنى بها طوعا أو كرها. فيعطاه وقد نال عوضه، وهب أن هذا المال لم يملكه الآخذ، فملك صاحبه قد زال


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٦٨)، سنن الترمذي البيوع (١٢٧٥)، سنن النسائي الصيد والذبائح (٤٢٩٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٢١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٦٤)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢١).
(٢) الفتاوى الجزء (٢٩)، صفحة ٣٠٨ - ٣٠٩.