للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه بإعطائه لمن أخذه، وقد سلم له ما في قبالته من النفع، فكيف يقال ملكه باق عليه ويجب رده إليه؟ وهذا بخلاف أمره بالصدقة به، فإنه قد أخذه من وجه خبيث برضى صاحبه وبذله له بذلك، وصاحبه قد رضي بإخراجه عن ملكه بذلك، وألا يعود إليه فكان أحق الوجوه به: صرفه في المصلحة التي ينتفع بها من قبضه ويخفف عنه الإثم ولا يقوى الفاجر به ويعان، ويجمع له بين الأمرين.

وهكذا توبة من اختلط ماله الحلال بالحرام، وتعذر عليه تمييزه أن يتصدق بقدر الحرام، ويطيب باقي ماله. والله أعلم (١).

وقال أيضا: في كسب الزانية فإن قيل فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه أم يطيب لها، أم تتصدق به؟

قيل: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه ولا استوفي عوضه رده عليه. فإن تعذر رده عليه قضى به دينا يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك تصدق به عنه، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة كان له وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض استوفى منه نظير ماله، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها كما ثبت عن الصحابة، وإن كان المقبوض برضى الدافع، وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان وتيسير أصحاب المعاصي عليه، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله؟ فهذا


(١) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، جزء (١)، صفحة ٣٩١ وص ٣٩٢.