للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضية البعث في ضوء الوحي والعقل.

بقلم:

الشيخ محمد المجذوب.

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (١).

هذه الإشارة الإلهية على صراحتها لا يدرك دلالتها سوى المؤمن الذي أخذ نفسه بأدب القرآن، فهو يتقصى معانيه بكل طاقاته العقلية والشعورية، ولذلك يجد نفسه كل يوم في جديد من هذه المعاني لا تفتأ تفتح لعينيه آفاقا متجددة من أسرار هذا الكتاب، الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

لقد كنت أستمع إلى الآيات الكريمة التي رتلها الإمام من سورة (فاطر) أثناء صلاة الفجر، فأسبح في جوها مأخوذا بدلالاتها حتى بلغ قوله تعالى {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (٢).

وكأني لا أسمع حروفا وألفاظا بل أشاهد بعين بصيرتي عملية الخلق والتكوين والبعث في مراحلها المتتابعة. . . فأرى الرياح وقد أرسلها البارئ العظيم بصيغة الماضي أرسل فلا تلبث أن تقوم بمهمتها التي وجهت إليها فإذا هي تثير- بصيغة المضارع الدال على الحركة والتجدد- متفرقات من السحاب التي لا تلبث أن تنطلق نحو الجهة التي حددت لها لتصب حمولتها من الماء على الأرض اليابسة، التي فارقت بشاشة


(١) سورة الفرقان الآية ١
(٢) سورة فاطر الآية ٩